تشير آخر استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز حزب العمال في الانتخابات الفيدرالية.
لكن رئيس الوزراء سكوت موريسون أحرز تقدماً في شعبيته كرئيس وزراء مفضل، محققا تقدماً بمعدل 3 نقاط، إذ يؤيد 47 بالمئة من الناخبين موريسون على أنه رئيس الوزراء الأفضل، بالمقارنة مع 23بالمئة لصالح بيل شورتن.
من جهة أخرى ادعت استطلاعات الرأي أن حزب العمال هو الحزب المفضل، إذ حصل على 53 بالمئة من تأييد الناخبين، مقابل 47 بالمئة لصالح الائتلاف. ومع احتساب هامش الخطأ، أي 2٫9 بالمئة، سيفوز حزب العمال بـ 83 مقعداً من أصل 151 في مجلس النواب الفيدرالي. فإن صحت هذه التوقعات يمكن أن نرسل تهنئة مبكرة لحزب العمال. لكن هل نتوقع حدوث مفاجآت غير منتطرة، وهل صدقت استطلاعات الرأي في السابق لكي تصح اليوم، أم أنها تستخدم كعصى تهويل على الأحزاب لتحقيق مطالب لا يعلن عنها، أو للتأثير على توجهات الناخبين وعلى كيفية تصويتهم يوم الانتخابات، «كون النتائج هي محسومة» حسب ما توحي به هذه الاستطلاعات.
– هل يمكن الثقة باستطلاعات الرأي؟
يؤكد باحثون اجتماعيون ان استطلاعات الرأي هي مجرد استنتاجات مصطنعة ، لأن رأي المواطنين هو بالواقع مغيب، كونه يتأثر بعوامل كثيرة كوسائل الإعلام ومستوى الوعي السياسي لديهم وانحيازهم المسبق لهذا الحزب أو لذلك.
ويقول الباحث روبيرت شابيرو ان أغلبية المواطنين لديهم قناعات سياسية مسبقة لكنها تتأثر بالظروف الآنية والأحداث الهامة التي تقع على المستوى الوطني أو الفردي.
في استراليا أظهرت الدرااسات الاجتماعية أن المواطنين يرغبون برؤية حكومة تهتم أكثر بالإنفاق على الخدمات العامة أكثر من خفض الضرائب على المعاشات التي تبقى محدودة في نظرهم.
– أولويات المواطنين:
أجرت الجامعة الاسترالية الوطنية على مدى سنوات دراسات لاستطلاع آراء المواطنين حول أولوياتهم ومطالباتهم الحيوية. وشملت استطلاعات الرأي عينة مكونة من 200 الف مواطن من مختلف الولايات والأقاليم.
وتبين بشكل واضح في تلك السنة ان 79٫5 بالمئة من المواطنين يؤيدون خفض الضرائب بشكل عام، الأمر الذي رفضه فقط 19٫7 بالمئة منهم . ويعتقد المحللون ان ارتفاع عدد المطالبين بخفض الضرائب يعود إلى سببين: الأول هو تدني متوسط مستوى الاجور وارتفاع معدلات الفوائد على القروض المنزلية والتجارية.
غير ان نسبة المطالبين بخفض الضرائب انخفضت تدريجيا عبر السنوات لتصل إلى 41٫9 في المئة بحلول 2001 ولترتفع بالمقابل نسبة المطالبين بدعم الخدمات الاجتماعية من 14٫8 في عام 1984 إلى 29٫5 في المئة عام 2001.
وشملت مطالبهم انفاق المزيد على الرعاية الصحية وتعويضات التقاعد، والمساعدات العائلية وتعويضات البطالة عن العمل.
وفي عام 2011 ارتفعت مجدداً نسبة المطالبين بزيادة تمويل الرعاية الصحية (64٪) والمستشفيات (76٪) وتعويضات التقاعد (47٪)، والتعليم (52٪)، والإيعالات الاجتماعية (16٪) وباعتقادي ان هذه الإحصاءات اخذت على محمل الجد من قبل الائتلاف والمعارضة العمالية، وانعكست بوضوح في ميزانية الحكومة والعمال. فانطلق الفريقان في عملية إطلاق التعهدات على انفاق المليارات في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة والبنية التحتية دون ان يعدل الائتلاف بنسبة المدفوعات للعاطلين عن العمل والمتقاعدين، بعكس ما ورد في ميزانية حزب العمال.
الانطباع الاول الذي يمر بالأذهان هو ان حزب العمال يتعاطف مع الطبقات العمالية والدنيا، او ان حزب العمال يعتقد ان العاطلين عن العمل يصوتون لصالحه على عكس الائتلاف. لكن الصحيح ان فلسفة حكومة الائتلاف هي مبنية على مبدأ تحسين الاقتصاد ودعم مختلف المصالح الصغيرة أو المتوسطة لأنهما عصب النظام الاقتصادي الذي يؤمن فرص العمل لأكبر نسبة من اليد العاملة في البلاد، فيخفض من نسبة العاطلين عن العمل ويرفع من مستويات الدخل الوطني من خلال الضرائب على الأجور وتوفير الدعم لكبار السن وسائر أفراد العائلة غير المنتجين.
– الشركات التي تجري استطلاعات الرأي ومدى مصداقيتها:
معظم شركات استطلاع الرأي تجري أبحاثها اما من خلال االاتصال الهاتفي أو عبر الانترنت، إذ يعمد جهاز الكمبيوتر إلى اختيار عينة محدودة من قاعدة بيانات كبيرة للمستحقين المحتملين.
وباعتقادي هنا يكمن نقطة الضعف الأولى إذ ان الناس المنهكمين في عملهم لا يبالون بمثل هذه الاستطلاعات، او ان لديهم المتسع من الوقت للإجابة على الأسئلة المطروحة، كونهم من كبار السن أو العاطلين عن العمل، وأن من يرغبون بالحصول على مكافئات مالية أو تشجيعية. هؤلاء لا يعكسون بالحد ذاته التركيبة الديموغرافية والإثنية أو الثقافية للمجتمع الاسترالي بالمطلق.
أما أهم هذه الشركات فهي التالية:
– نيوزبول Newspoll ، تقوم صحيفة الاستراليان باستطلاع آراء المواطنين من عينة من الناس يتراوح عددهم بين 1600 و 1800 شخصاً وتجري الاستطلاعات بواسطة الهاتف أو الاتصال الإلكتروني. ويبدو حسب آراء المحللين أنها تميل بعض الشيء نحو تأييد حزب العمال.
– ايبسوس Ipsos، وهي شركة تابعة لمؤسسة فيرفاكس، تقوم باستطلاع حوالي 1400 شخصاً بواسطة الهاتف. تجري استطلاعات شهرية لكنها تنشط أكثر خلال مرحلة الانتخابات.
وتستخدم ايبسوس نفس العينة من المواطنين وتميل إلى دعم حزب العمال والخضر.
– ريتش تيل Reach Tel ، وهي شركة استطلاع خاصة بالقناة السابعة (فرع الأخبار)، تستطلع حوالي 2400 مواطن بواسطة برامج إلكترونية وبطريقة عشوائية. خلال انتخابات ولاية فيكتوريا خفضت Reach Tell من أهمية وحجم الأصوات التفضيلية للائتلاف ورفعت من نسبة التأييد لحزب الخضر. لكن تقديراتها كانت أكثر موضوعية في انتخابات كوينزلاندا ونيو ساوث ويلز. هذه لا تميل المؤسسة غالبا إلى دعم حزب ما في الانتخابات الفيدرالية، وتتعامل معهم حسب الظروف السياسية والإيحاءات أو الإغراءات الخارجية.
– مورغان Morgan، وهي شركة استطلاع خاصة مسجلة تحت اسم Ray Morgan Online ، تستطلع ما بين 2500 و 2400 شخص كل أسبوعين حول قضايا مختلفة ولديها استطلاعات أسبوعية خلال الانتخابات.
في عام 2013 كانت الشركة تجري استطلاعات مباشرة وجها لوجه. لكن في السنوات الأخيرة بدأت بإجراء استطلاعات بواسطة الهاتف وهي تميل أكثر لدعم حزب العمال. لكن مع وصول مالكلوم تيرنبل إلى الحكم بدأت تميل نحو الائتلاف لكن ميولها اليسارية هي واضحة للمحللين.
– شركة Essential ، تديرها شركة Essential Report تجري استطلاعات إلكترونية لعينة تتراوح بين 1700 والفين شخصاً ويبدو أن شركة Essential تميل إلي تكرار نتائج استطلاعاتها وغالبا ما تخطئ في استطلاعاتها حول نتائج الانتخابات الفيدرالية.
-غالاكسي Galaxy وتديرها مؤسسة نيوز ليمتيد وتلجأ إلى عينة يترواوح عددها بين 1200 و 1700 شخصاً.
تمكنت غلاكسي من الحصول على نتائج دقيقة خلال انتخابات 2013 الفيدرالية وخلال انتخابات الولاية في نيو ساوث ويلز وكوينزلاندا وفيكتوريا.
هكذا يتبين ان الميول السياسية لدى كل شركة هي التي تحدد حجم ونوع العينة البشرية ونوع الأسئلة التي تمنحهم النتائج التي ترغب كل مؤسسة بالحصول عليها مسبقاً. لذا غالباً ما يبالي الخبراء ورجال السياسة بنتائج استطلاعات الرأي خلال الأيام المعدودة قبل الانتخابات إذ تسعى هذه الشركات لأن تكون موضوعية قدر المستطاع لتسجيل نقاط إيجابية لصالحها بنظر المواطنين ورجال الأعمال الذين قد يرغبون يوماً باستطلاع آراء الناس لغايات تجارية.
لمن يجب أن يصوت المواطنون؟
لا يختلف إثنان ان ميزانية الائتلاف والمعارضة هي ميزانية انتخابات بامتياز، لذا لجأ الائتلاف والعمال إلى إطلاق التعهدات والوعود لإنفاق المليارات على أن تنفق على قطاعات أساسية ولو بفروقات ضئيلة.
لكن من المعترف به ان حكومات الائتلاف هي تقليدياً الأفضل لتحريك عجلة الاقتصاد في البلاد والأنسب للتخلص من الدين العام، بينما يعرف ان حزب العمال هو الأفضل في الإنفاق دون أن يكون الناجح دائماً بالتخلص من الديون العامة.
بل يذهب البعض إلى القول ان العمال، غالباً ما ينفقون ما يوفره الائتلاف، ليقود البلاد للوقوع في المزيد من الديون العامة… وربما هذا هو المطلوب ان تبقى استراليا تحت رحمة ووصاية البنوك الدولية والتأثيرات الخارجية.
لكن إذا أردنا ان نتخطى الجانب المالي وأفضلية ميزانية على أخرى، يبقى السؤال الجوهري والأهم هو التالي: من هو الأفضل بين الحزبين لصالح الأمة على مستوى سلامة الحدود، مكافحة الإرهاب، وحدة وسلامة العائلة، النظام التعليمي المثالي الذي يدعم الأخلاقيات ولا يروج لتعميم الثقافة الجنسية لمختلف أشكالها وشواذاتها، من هو بالتالي الحزب الذي يؤيد ويدعم الحريات الدينية وحرية التعبير ويتجاوز بطروحاته الكبرى الفلسفة المادية اليسارية الملحدة التي تسعى في آخر المطاف إلى طمس الفروقات الثقافية والفردية والتعامل مع المواطنين من خلال أجندة دولية تريد تحويل المواطنين إلى أرقام وإلغاء الفروقات ومنح الحرية الفردية حتى للأطفال الصغار القاصرين لاختيار نوع الجنس الذي يرغبون به.
باعتقادي، هذه الأمور الهامة هي التي ستحدد طريقة تصويتي عندما أدلي بصوت يوم الانتخابات الفيدرالي.
فلا استطلاعات الرأي سوف تؤثر على ميولي ولا ميزانية الحزبين، بل الأخلاقيات والتمسك بالحرية الدينية وحرية الرأي ووحدة وسلامة العائلة.
آمل أن يختار «العرب» حكومة الغد انطلاقاً من هذه المقاييس.