الدكتورة / ماري سكر
السلاح الذي استعمله ارهابي مجزرة نيوزيلاندا كان قد كتب عليه رموز وتواريخ منها ٧٣٢ معركة بلاط الشهداء و تعد الهزيمة التي شكلت ذروة وآخر تقدم للمسلمين في الأندلس في أوروبا إضافة الى ١٦٨٣ معركة ڤيينا والتي شكلت ذروة التقدم العثماني في أوروباوأضافة انه لقب نفسه «آكل الأتراك»ومن التواريخ التي كتبها على سلاحه
* ١٦٨٨ حصار بلغراد التابعة للعثمانيين آنذاك وسيطرة الإمبراطورية الرومانيةعلى المدينة
،١١٨٩ حصار الحملة الصليبية الثالثة لمدينة عكا
*١٥٧١ معركة ليبانت البحرية التي هزمت فيها الدولة العثمانية على يد تحالف أوروباحتى عن معركة تولوز عام ٧٢١ التي دارت بين الأمويين وقوات دوق أقطانية في فرنسا الحالية، وانتهت بهزيمة الأمويين .ان منفذ عملية القتل قد كتب الأسماء التفصيلية والدقيقةعلى سلاح الجريمة، الرجل كتب كل معارك العثمانيين في البلقان…وأرخ لعمله بتصوير جريمته المخطط لها ولم يطلب بتمثيله القانوني موزعا منفستو بعنوان»الأستبدال الكبير»…
مجزرة جديدة من مجموع المجازر الذي يشهدها العالم مؤخرا وجديدها الجغرافيا فقط بحيث ان نيوزيلندة هي الأبعد مسافة عن بؤر العنف المستشري وديموغرافيتها بحيث يشكل المسلمون منها (46000/5000000)… أما ان عملية اطلاق النار على المساجد فيها ليست سوى عرضا من عوارض الأرهاب المعدي والمستشري والآخذ في الأتساع بعواقبه المدمرة للسلم العالمي ونظريات السياسة المثالية لصالح المصلحية والواقعية وفرسانها من اليمين المتطرف الآخذ في التصاعد ضمن المجتمعات الغربية ، والناجم عن عقدين من الأرهاب الأسلامي المترافق مع وسائل التواصل الأجتماعي وتأثيره المحفز على العنف ، وعلىمستقبل العلاقات الدولية وعولمة الديمقراطية وتزامن منسق جيدًا بين الاعتداءوالأعتداء المضاد ، والضحية ابدا من الأبرياءالعزل الذين غالبا ما يشكلون البروبغنداالتي اعتمدت في القرن الماضي .
ليس مستغربا ابدا تصاعد هذا النوع من العنف التفاعلي اذ إن التطرف القومي في الديمقراطيات الغربية يتصاعد باطراد ويطور ديناميكية خاصة به ، ويتمحور أساسها حول خطوط الصدع الآخذة في الاتساع والتي أنشأها الإسلام الراديكالي وتصميمه على تحدي الأمن والإجماع السياسي والمعياري للديمقراطيات الغربية.
ما نفذه أندرس بريفيك في النرويج (22 يوليو 2011)اعتبره سياسيو الغرب فورة عنيفة وطارئة في حين أن المجتمعات المسلمة عمومًا وبصرف النظر عن هامشها الراديكالي ، فشلت عمداً في معالجة جذور التطرف ،ولو نظريا مما أضاف عنصرا اضافيا لتطورسلبي للتحديات الفكرية والسياسية للبلدان المضيفة لها مما عزز الشعور المناهض للمهاجرين، والذي هدد بالفعل المعايير الأساسية للديمقراطية الغربية ، فالمسلمون في الغرب لم يتعاملوا مطلقًا مع تطرفهم الديني على برنامج مبدئي ،ولم يلتزموا التزامًا لا لبس فيه بقواعد الحضارة الغربية ، والتنوع الثقافي والأتني في هذه الدمقراطيات ومبادىء الفصل بين الدين والسياسة ، وحقوق الإنسان، وأخلاقية الخطاب والحريات العامة والخاصة ، والدستورية وسيادة القانون ، والعقد الاجتماعي والشفافية في الموازنات الحكومية، والتي تحمل دافعي الضرائب العبء الأقتصادي الهائل من مدفوعات للأمن العسكري والسياسي والحمائي ينعكس سلبا على هذه المجتمعات ورخائها الأقتصادي …
إن الفشل في مواجهة المشاكل الخطيرة الناجمة عن العنف الديني ضمن الأسلام نفسه كما العنف السياسي والأجتماعي ، هوالسبب في تصاعد تيارات راديكالية عنصرية وردات فعل عنيفة في الديمقراطيات الغربية . إن ضحايا هذا العنف العشوائي يدفعون ثمن سياسات الإنكار والتحايل والجبن المدني،تلك التي يرتكبها المتطرفون الإسلاميون الذين يطلقون المشاكل المدنية ، ويشجعون الانفصالية السياسية ويستمتعون بأهواء الغزو الإسلامي في جميع أنحاء العالم.تلك المواقف المحرضة للمراجع الدينية والسياسية وخلق روح الضحية بين المسلمين ودفعهم للعداءللغرب الذي يعيشون فيه حريتهم وشعائرهم الدينية هربا من ارهاب بلدانهم ، ودفعهم للعداء للغرب وثقاففته الديمقراطية…تلك السياسة تهدد كل السلام العالمي وكل المجتمعات ستكون مسرحا للعنف العشوائي المؤسس للحروب. فنحن في صميم مشكلة أمنية دولية تعرض للخطر السلام الدولي والوفاق المدني داخل الدول وفيما بينها،تطير معها المعايير الديمقراطية ومسائل حل النزاعات العقلاني. فالحداثة الإسلامية فاشلة ، وما نشهده هو أصداء حالة من التحفظ العقلي القهري ،و من المحتمل أن يتحول العنف العرضي إلى كابوس دائم ، وحالة من العنف والعنف المفتوح… فكتابات كلود ليفي شتراوس، أهمّ المفكرين الأنثروبولوجيين للقرن الماضي،والذي أشار أنه «في اللحظة التي كانت فيها ثقافتنا تعتدي على ثقافات أخرى كنت عندها المدافع عن تلك الثقافات. أما الآن، قد انقلبت الحركة رأساً على عقب، وثقافتنا تتخذ وضعية دفاعية بازاء الانفجار الإسلامي. بالتالي، أشعر بحزم كاثنولوجي بأنّي في موضع الدفاع عن ثقافتي» ،تلك الكتابات وصفت من قبل السياسيين كتوترات معزولة أو عابرة،واليوم وبعد مجزرة نيوزلندة وصف الرئيس الأميركي ترامب الحركة بالمحدودة والغير مهمة،و المفارقة أنّه، وفيما كان البعض في الغرب والشرق يتماهى مع التعددية الثقافية والتسامح الديني والقبول بالآخر في مواجهة صاموئيل هانتغتون وصدام الحضارات،تصاعدت الحركات العرقية والأتنية في الغرب الذي لم يعد مسيحيا ليعاني من رهاب الأعداد المهاجرة من السمر المختلفين والذين يضغطون على خزائن هذه البلدان وما نتيجة ذلك الا البريكست في بريطانيا وانتخاب ترامب في اميركا وحيث تأثر مجرم نيوزلندا كما اعلن عن امتعاضه من تقويض لوبان في فرنسا واضعاف حكومة ميركل في المانيا…ولهذه الأحداث مجتمعة عنوان وحيد : الرهاب من الأسلام فالمجرم كبرنيتون تارانت، مرتكب المذبحة النيوزلندية و في المنفستوالذي وزعه دقائق قبل القيام بمجزرته الشنيعة اعتمد التركيز على خطورة الثقافات الإسلامية ونزوعها الإلغائي للثقافات الأخرى.
تجاه هذا الواقع الخطير ،اليس من مسؤولية نتحملها نحن العرب المقيمون في الغرب،مسلمون كنا أو غير مسلمين ؟ أن نتنصل من مسؤوليتنا كشعوب وحكام ونلقي بها على ظهور الآخرين ونعتبر أنفسنا ضحايا لهذا الطرف الخارجي أو ذاك معناه أننا لسنا جاهزون بعد لمراجعة ثقافتنا وتراثنا وعقائدنا التي تحتاج جميعها إلى إصلاح ومراجعة ونقد،اذ ما عاد ينفع تعليق اسباب كل بؤسنا على الاخرين، فالتمييز بين البشر على أساس ديني موجود وفي جوهر ثقافتنا وتراثنا الذي لا يحمل أي فكر يدعو للمساواة والتسامح والتعايش،كل ما نشتكي منه دائما اننا الضحية وهذامنطق خطير لأنه يعطي مشروعية للجرائم التي نقوم بها بحجة أننا مظلومون، ما يعني أنني ما دمت مظلوما فكل شيء وكل سلوك أقوم به مباح ومشروع، والثقافة التي نحملها هي ثقافة استعلاء واذلال للمختلف الذي عليه أن ينصاع لنا بالقوة ،بحيث يصبح كل عدوان نقوم به على الآخرين ،مبرراً ومسموح به فقط لأننا الأعلون وخير أمة للناس فثقافتنا الدينية القائمة على الغزو والاستعلاء والسبي والقتل للمختلف ، لا يمكن أن تؤسس لأي تسامح ديني ننادي به، وهي تقود حتما إلى ازدراء العالم لنا ومعاملتنا بذات الطريقة التي نعامل بها الاخرين.
لا ، نحن لسنا بمظلومين، فعندما نبرر استباحة عواصم الدول وتفجير الحافلات بالناس العزل والآمنين ، ونضعها على مشجب حكومات الدول لنا، فلا نعود والحال هذه أبرياء ولا يحق لنا لوم الاخر الذي يعاملنا بالطريقة ذاتها، ونحن والحال هذه لسنا بأبرياءعندما نلجأ إلى الغرب هربا من أبناء جلدتنا ، ونعتبر أن شعوب هذا الغرب كافرة، وقردة وخنازير، ونساءهم ورجالهم زناة ،ونرفض الاندماج في تلك المجتمعات، ونرفض احترام ثقافتها ونعيش في غيتوات ، ونصر على العزلة باعتبار أن هؤلاء كفرة وزناة لا ينبغي معاشرتهم ،ويقف خطباؤنا في جوامع الغرب للتحريض على أبناء تلك المجتمعات ، ونعتبر أن وظيفتنا في تلك هي نشر الإسلام بينها، فنحن لا نؤسس لأي تسامح ديني ننادي به، بل نؤسس لمقتلنا حين نقتل المختلفين دينيا في بلادنا تحت شعارات دينية ونصمت صمت القبور إزاء تلك الاعمال المتكررة ، عندها يصير من الصعب ادانة جرائم مماثلة ترتكب بحقنا كمسلمين .فعندما يرى العالم بأم عينيه كيف تسبي الازيديات ويبعن في سوق النخاسة ويقتل رجالهن تحت يافطات اسلامية،وحين يقتل الشيعي في مسجده على يد متطرف سني وبالعكس ، حتما سيخافنا العالم وسيعاملنا بالطريقة ذاتهاويصير من الصعب على العالم أخذنا على محمل الجد،وسنبقى أهدافا للعنصرية المقابلة والتي مهما قامت الحكومات في ردعها وصدها لن تستطيع الى ذلك سبيلا .
الأمر يتطلب اصلاحا لذاتنا لنتناسب مع مجتمعات تعيش مبادىء الحرية والديموقراطية والعدالة الأجتماعية فكل ارهاب من جهة لا بد ويقابله ارهاب من الأخرى.