بقلم العميد المتقاعد/ خليل إسبر وهبه
جرت العادة سنوياً ان يحيي لبنان أعياده الصيفية وكأنه في عرس دائم. اينما حللت في الجبل او البقاع او بيروت او الجنوب والشمال تطالعك الاعياد والبسمة والحفلات التراثية حتى باتت هذه الاعياد جزءاً لا يتجزأ من التراث اللبناني. وهذه أبهى صورة عن تاريخ لبنان الاصيل.
هذا هو لبنان، وطن الأرز الضاحك، مالئ الشرق الاوسط، فرحاً وسروراً محبة واصالة، وصبوراً. لبنان من اعلى قممه حتى سهله المنبسط عند الشاطئ المتوسطي يُصبح ويُمسي على أنغام الموسيقى، ويستقطب الزوار، زارعاً البسمة على كل وجهٍ وكل شفة.
فانطلاقاً من ارز الرب في اعالي منطقة الشمال الى بعلبك حيث قلعتها التراثية التي تحمل على اكتافها تاريخ وطن مثقل بالمجد وبكثرة الاحتفالات الفنية. باتت هذه الاحتفالات وجهاً مشرقاً من اوجه الثقافة اللبنانية المتجذرة في هذه الارض المقدسة.
هذه هي اجمل اللوحات الفنية التي ترتسم على وجه لبنان الغني بأحلى اللوحات واجملها.. هذه هي صورة لبنان الغني بتراثه الفني.
أما الصورة الأخرى التي يحاول رسمها رعاع القوم ليتحملها الشعب اللبناني زوراً فهي ليست تشبه لبنان الذي نعرفه لا تاريخياً ولا هي على قياس طموحات ابنائه التي تتعدى حدوده الجغرافية لتجوب العالم القريب والبعيد وتعطي انطباعاً جيداً وجميلاً عن نفسه. لبنان الذي نريده ونطمح اليه هو فكرة تجوب العالم وتزرع النجاحات العديدة في أرجاء الدنيا قاطبة.
ان لبنان لا يمكن قياسه بمساحة ترابية كغيره يقوم عليها وهو اشبه الى حد بعيد بطائر الفينيق الذي لا يكبو ولا يخبو ولا يتلاشى على مدار السنوات بل يزداد جلاءً ووضوحاَ.
لبنان بحاجة اليه العالم اجمع لأنه أشبه بحديقة مفروشة بالورود والزهور. رسالته ان يكون مشرّع الابواب على سائر الشعوب والأمم لا ان يحمل السيوف لقطع الرؤوس وحصد الألوف. هذا اللبنان هو حاجة ماسة لشعوب الدنيا قاطبة. ينبغي للعالم المتمدن ان تتضافر جهوده للحفاظ على هذا الوطن الصغير وحمايته حتى يبقى منارةً مشعةً يستنير بها لترشده الى المرفأ الامين.
وداعاً ايها الصيف المشحون بالفرح والطرب الاصيل. لا نشك، ولو للحظة واحدة، انك خزّان الفرح والسعادة للمواطنين والسواح والزوار الموسميين الى ربوع بلاد الأرز، أرز الرب، على حد سواء. زيارة هذا الوادي المقدس واجب شبه مقدس. تلك الاودية العميقة الغور التي يكسوها الخضار الدائم صيفاً وشتاءً، لبنان الوطن والتراث الاصيل لا يضمر الشر لأحد ولا يتمنى الشر والغدر لأحد. هذا اللبنان الصغير- الكبير بقيمه الانسانية هو واحة خضراء يفوح اريجها في كل أرجاء الدنيا. يختزن في ذاته كل قيم الارض التي يعود فينشرها على أمم العالم رسائل فنية زاخرة بالحب والصداقة المنزهة عل كل هِناتٍ ونواقص.
ميثاق اممي جديد
في كل عرس اممي نجد لبنان عضواً فاعلاً في هيئة الامم نؤكد عليه مجدداً لانقاذ محبي السلام في العالم في هذه الرقعة الصغيرة.
ان لبنان الصغير بمساحته كبير بقيمه التي تجمع ولا تفرق الناس بل ترصّ صفوفهم حول طاولة حوارية، العالم باجمعه بحاجة اليها. العالم بحاجة لمثل هذه الطاولة الحوارية في اروقة الامم المتحدة ليتفق حول لبنان وطناً للسلام العالمي وملجئاً لكارهي الحروب والقتال.
هذا الاقتراح هو برسم جميع شعوب الارض التي تجتمع عادة في الامم المتحدة لتقرر مصائر بعض الناس والشعوب المغلوب على امرها. فليكن اجتماعها، ولو لمرة واحدة، لوضع ميثاق جديد حول لبنان الوطن لتبرز فيه قيمة لبنان الحضارية وانفتاحه على سائر امم الارض. فليكن لنا ميثاقاً حضارياً جديداً يجنب هذا الوطن ويلات الحروب الضارية.
التجربة اللبنانية الحالية الناجحة التي صار لها اكثر من عشر سنوات صامدة بفضل التوافقات القائمة بين الاطراف المكونة لهذا الوطن. فكما يمكننا تجنيب لبنان هذا الخضّاث القاتلة والتأكيد على صحة القرار المتخذ، كذلك يمكننا التأكيد على صدق التجربة اللبنانية.
ما نقوله هو برسم الامم المتحدة لتتخذ قراراً عالمياً حول حياد لبنان عن براكين النار العالمية المشتعلة والمتنقلة من مكان الى آخر، ويصبح لبنان ميثاقاً عالمياً للسلام.
فكما اطلق عليه القديس يوحنا بولس الثاني قديس القرن العشرين انه وطن الرسالة كذلك فليطلق عليه اسم «وطن الاغاثة» لكل الملهوفين في الارض، طبعاً بموافقة كبار العالم وصغارهم لأن لكل العالم شرقاً وغرباً مصلحة فيه واحة سلام وأمان وطمأنينة لكل الملهوفين والمضطهدين في كل بقعةٍ. فكما كان لبنان اول المشاركين في وضع شرعة حقوق الانسان على يد العلامة الراحل الدكتور شارل مالك في الأمم المتحدة كذلك سيكون له شرف المساهمة في وضع ميثاق جديد في العالم المضطرب.