أدى سكوت موريسون اليمين الدستورية مساء الجمعة، ليصبح رئيس الوزراء الثلاثين لأستراليا، التي تعد واحدة من أكثر بلاد العالم التي تنعم بالاستقرار الاقتصادي والرخاء، بعد أن حققت معدلات نمو اقتصادي متواصلة على مدار الأعوام الـ27 الماضية. ورغم ذلك، لم يستطع كثير من رؤساء الوزراء الاحتفاظ بمقاعدهم حتى نهاية فترتهم في المنصب، وكان آخرهم مالكولم تيرنبل الذي أطيح به من رئاسة حزب الأحرار والحكومة، في انقلاب داخلي صباح أمس.
وحافظ تيرنبل، الذي أطيح به إثر انقلاب داخلي لصالح موريسون ليكون رئيس الوزراء الجديد للبلاد التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، على شعبيته على المستوى الشخصي في استطلاعات الرأي، في حين تراجعت شعبية الائتلاف الحاكم خلف حزب العمال المعارض على مدى شهور. كما شهد حزب الأحرار انقساماً داخلياً بين المحافظين والمعتدلين.
وقال الحاكم العام، بيتر كوسغروف، لموريسون، بعد أن أدى الأخير اليمين الدستورية: »أنت الآن رئيس الوزراء الثلاثين لكومنولث أستراليا«. وأدى جوش فريدينبرغ، النائب في حزب الأحرار، اليمين ليتولى منصب وزير الخزانة، الذي كان يشغله موريسون قبل توليه رئاسة الحكومة. وتعهد موريسون بتوحيد صفوف حزبه ، بعد منافسة على القيادة سببت انقساماً. كما تعهد موريسون بأن يستعيد ثقة الشعب الأسترالي.
وقال موريسون، في أول مؤتمر صحافي له عقب فوزه: »نحن جميعاً في صفكم، هذا هو المهم. نحن جميعاً في صفكم«. وموريسون (50 عاماً)، المسيحي الإنجيلي، كان يتولى وزارة الخزانة منذ سبتمبر (أيلول) 2015، وقدم نفسه كجزء من الجيل الجديد في قيادة حزب الأحرار، قائلاً: »سنوفر الاستقرار والوحدة والاتجاه والهدف، وهو ما يتوقعه الشعب الأسترالي منا كزعماء«.
وقال إنه بالإضافة إلى الاقتصاد والأمن الوطني، سيتصدر مواجهة الجفاف الشديد الذي يجتاح مناطق واسعة من البلاد جدول أولوياته، لكن موريسون، الذي يعد أكثر يمينية من سلفه المعتدل، معروف خصوصاً بعمله على رأس وزارة الهجرة في 2013 و2014، عندما أطلق عملية »حدود سيادية« لرد المهاجرين عن التوجه بحراً إلى أستراليا.
وتتبع أستراليا سياسة قاسية جداً حيال اللاجئين، إذ تقوم بحريتها باعتراض سفن المهاجرين السريين، وترسلهم إلى نقاط عبور، وفي أغلب الأحيان إلى إندونيسيا. أما اللاجئون الذين ينجحون في الوصول إلى شواطئها، فيوضعون إلى ما لا نهاية في مخيمات احتجاز في جزر مثل بابوا غينيا الجديدة أو ناورو، في إجراءات تدينها باستمرار منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان.
وانتقد تيرنبل المحافظين في حزبه ، الذين قادوا تمرداً ضده، ووصف سلوكهم بأنه »غير عادي«، وقال إنه تم إطلاق »عملية تمرد محددة الهدف« ضده من قبل »عدد من الأشخاص في الحزب، مدعومين بأصوات قوية في وسائل الإعلام (…) للإطاحة بي من رئاسة الوزراء«.
وأوضح تيرنبل، في آخر مؤتمر صحافي له كرئيس للوزراء: »كان أمراً غير عادي. ووصفه كثيرون بالجنون. وأعتقد أنه من الصعب وصفه بأي طريقة أخرى«.
وكان موقع تيرنبل، الذي أطاح هو نفسه بسلفه طوني أبوت في سبتمبر 2015أيلول ، قد أصبح هشاً في الأيام الأخيرة بسبب تمرد للجناح اليميني لحزبه (يمين الوسط) الذي يتقدم عليه حزب العمال حالياً في استطلاعات الرأي. ويشكل اختيار موريسون، حليف تيرنبل، ضربة قاسية لوزير الداخلية السابق بيتر داتون الذي قاد في الكواليس التمرد على رئيس الحكومة، وأعلن التحدي أمامه على زعامة الحزب، ولكنه مني بالهزيمة لصالح وزير الخزانة موريسون، حليف تيرنبل.
وكانت الأزمة قد خرجت إلى العلن الاثنين الماضي، عندما اضطر رئيس الحكومة الذي يعتبر معتدلاً في الحزب الليبرالي لسحب مشروع إدراج هدف أستراليا في مجال خفض انبعاثات الغاز المسببة للدفيئة في قانون، وذلك في غياب أي دعم من معسكره.
واعترف داتون، الذي كان قد تولى حقيبة الهجرة بعد موريسون، ثم أصبح وزيراً للداخلية التي تشرف على الشرطة والاستخبارات، بهزيمته، وقال بعد التصويت إن »موقفي الآن هو إعلان ولائي المطلق لسكوت موريسون«. وخاضت وزيرة الخارجية جولي بيشوب، وهي أيضاً حليفة تيرنبل، المنافسة، لكنها خرجت من الجولة الأولى للتصويت.
وقرار تيرنبل اعتزال السياسة يفضي إلى تنظيم انتخابات جزئية في دائرته بسيدني، وهو حدث ليس بسيطاً لتحالف حاكم يتمتع بغالبية لا تتجاوز المقعد الواحد. ورأى رئيس الوزراء السابق طوني أبوت، الذي يعد إلى حد كبير مدبر »الانقلاب«، أنه بات من المهم »إنقاذ الحكومة« قبل عام من الانتخابات الوطنية.
وحزب الأحرار هو الحزب الأكبر في ائتلاف المحافظين الحاكم الذي سيواجه انتخابات بحلول مايو (أيار) 2019. وتأتي الحكومة المؤلفة من الأحرار والحزب الوطني باستمرار خلف حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي. وإذا استقال تيرنبل من البرلمان، فسوف يترك الحكومة الجديدة تواجه انتخابات فرعية على مقعده في سيدني، وقد تخسر الحكومة في تلك الانتخابات أغلبيتها التي لا تزيد على مقعد واحد.
وعلى مدار الأعوام الأحد عشر الماضية، تناوب على مقعد رئيس الحكومة في أستراليا 7 رؤساء وزراء، كان أخرهم تيرنبول. ومنذ وصول العمالي كيفن راد في 2007 إلى رئاسة الحكومة، بعد عقد من حكم الليبرالي جون هاورد، شهدت أستراليا تعاقباً لرؤساء الحكومة، ولم يتمكن رئيس وزراء في أستراليا من إكمال فترته في المنصب، وأطيح بآخر 4 رؤساء وزارة من المنصب، على يد أعضاء حاليين أو سابقين في حكوماتهم، وهو ما صار معروفاً في أستراليا بـ»فراغ القيادة«.
وتلقى رئيس الوزراء كفين راد، من حزب العمال، طعنة مفاجئة في الظهر من نائبته جوليا غيلارد التي أطاحت به من زعامة الحزب في عام 2010، بعد تراجع شديد في شعبيته. ثم دارت الدائرة على غيلارد، ليطيح بها رود من زعامة الحزب في عام 2013، قبل انتخابات عامة كانت مقررة بعد أشهر قليلة، وكان يتوقع أن يمنى حزب العمال فيها بهزيمة قاسية.
وفي سبتمبر أيلول من عام 2013، قاد طوني أبوت حزب الأحرار إلى نصر ساحق في الانتخابات، وإلى مقعد رئيس الوزراء، ليقضي به عامين فقط، حيث أطاح به تيرنبل من رئاسة الحزب والحكومة، عقب تدني شعبية أبوت. وكان أبوت قد أقصى تيرنبل في عام 2009 من زعامة حزب الأحرار، المعارض. وعارض أبوت، آنذاك، سياسات تيرنبل البيئية، وفاز برئاسة الحزب بفارق صوت واحد.
ويشعر جزء كبير من السكان بالاستياء من عدم الاستقرار هذا، إلى درجة أن وزيراً رأى، الجمعة، أنه من الضروري تقديم اعتذارات. وكتب دارن تشيستر الذي يشارك حزبه الوطني في التحالف الحاكم، في تغريدة على »تويتر«: »أستراليا، ندين لك باعتذارات«، وأضاف: »تستحق أفضل من الكثير من الأمور التي فعلها برلماننا الفيدرالي في السنوات العشر الأخيرة«.