شوقي مسلماني
عندما الكاتب والأديب.. مؤسِّس ورئيس رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا لسنوات يكتب مقالة سياسيّة وغالباً في صحيفة التلّغراف العربيّة في مدينة سيدني لا يكتبها بعجالة الصحافة اليوميّة بل بالجهد الكافي الذي قلّما يحتمله آخرون ليس فيهم لا من سعة الإطّلاع ولا من عمق الثقافة ولا من الأصالة والوطنيّه والتزام قضايا الإنسان، والأستاذ كامل المرّ هو اللبناني الفخور بعروبته بلا جدال قطعاً.
إصداره الجديد «قلْ كلمتك وامش» ـ أضواء على أحداث.. ـ الكتاب الثالث، ويضم بين دفّتيه المقالات التي سبق ونشرها صحفيّاً في عام 2014 إلى عام 2017 نموذج يؤكّد للقارئ أنّه بقراءته للأستاذ المرّ هو محصّل ذاكرة واقعيّة وعقلاً محلّلاً وروحاً أدبيّة كلّها هويتها الصدق وإعلاء راية الحق والخير والجمال.
يستنطق التاريخ. يرجع إلى القرن التاسع عشر، إلى «الرجل المريض» ـ الإمبراطوريّة العثمانيّة، ومنه إلى عام 1907 والمؤتمر الفكري الإقتصادي والسياسي الذي دعا إليه وزير المستعمرات البريطاني كامبل بنرمان «بغية رسم مستقبل الأراضي العربيّة بعد العثمانيين». يرى بنرمان أن الخطر المقبل آت لا محالة من المنطقة العربيّة «حيث يعيش شعب واحد له وحدة التاريخ واللغة والجغرافيا وكلّ مقوّمات الترابط عدا ثروته الطبيعيّة» ص15. وحذّر بنرمان من «وباء» التعليم والثقافة إذا أقبل عليه العرب فإنّ ذلك بالتأكيد «سيشكّل الضربة القاضية على الإمبراطوريّات الأوروبيّة». واقترح حتميّة فصل المشرق العربي عن المغرب العربي «بحاجز بشري غريب» معادٍ لشعوب المنطقة وصديق لأوروبّا «على مقربة من قناة السويس» وليس هذا الحاجز غير «كيان صهيوني في فلسطين يتولّى تنفيذ تأبيد شرذمة العرب وتخلّفهم ص16.
وتتكامل خطط معسكر الخصم الإمبريالي نظريّاً كأساس لاتّفاقيّة «سايكس بيكو» في عام 1916 إيذاناً بتجزئة العرب وتقاسم المغانم. وفي الثاني من تشرين الثاني 1917 يكتب آرثر جيمس بلفور عن الخارجيّة البريطانيّة إلى روتشيلد: «عزيزي اللورد روتشيلد.. إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية». لتبدأ مسيرة مأساة شعب فلسطين تآمراً، قتلاً، تدميراً، تهجيراً واحتلالاً، ولتبدأ ازدواجيّة المعايير تظهر بوضوح أكثر في سياسات الولايات المتّحدة الأميركيّة وارثة بريطانيا في شواطئ البحر الأبيض المتوسّط الجنوبيّة الشرقيّة. والمجرم الصهيوني يغدو ضحيّة ويغدو الفلسطيني الضحيّة إرهابيّاً ما دام لا يستسلم باذلاً الروح من أجل حقّ العودة واستعادة وطنه السليب.
والكاتب الأستاذ كامل المرّ هذا ما يرجع إلى تأكيده. فممثّلي دول عضوة في هيئة الأمم المتّحدة تطالب بوضع تعريف محدّد للإرهاب، وحتى اليوم «لم تستطع هيئة الأمم ذلك لأن واشنطن خصوصاً تدعمها إسرائيل ودول استعماريّة مثل بريطانيا وفرنسا تحاول أن تصنّف حركات تحرّر مثل حركة التحرير الفلسطينيّة كحركات إرهابيّة» ص66.
وها هو «الإرهاب الإسرائيلي يقتل ويشرّد الفلسطينيين تحميه أميركا وتعقد معه معاهدات عسكريّة تُلزِم أميركا والحلف الأطلسي بحمابته» ص66.
وملقياً نظرات متألّمة على واقع العرب تشتّتاً وانقساماً وتقهقراً على كلّ صعيد فالكاتب المرّ الذي له عدد من الكتب منها: «مشوار مع شربل بعيني ـ
دراسة نقديّة ـ 1988، و»رشيد معتوق الطبيب الإنسان» ـ 1997، و»نعيم خوري الشاعر والإنسان» ـ 2005، يؤكّد على آفاق الرئيس اللبناني الجنرال ميشال عون لجهة «الإبتعاد عن الملفّات الخلافيّة» الذي «لا يتأمّن إلاّ بمقاربة الوضع العربي المتأزّم وفقاً لمعادلة جديدة عنوانها: فلسطين تقرّر مصيرنا جميعاً..» «والإنقسام ليس إلاّ بسبب تراجع اهتمامنا بالقضيّة الفلسطينيّة، قضيّة العرب المركزيّة.. وليس ما يجمع مسلمي العالم ومسيحييه كما تجمعهم قضيّة القدس».. «فالشعوب التي تفقد قضيّتها الجامعة تتفرّق.. ويأخذ التطرّف شبابها من موقع اليأس وفقدان التوازن والأمل» ص116 ـ 117.
والجلي في إصدار الأستاذ المرّ الذي يقع في 142 صفحة أنّه يتعقّب أصحاب القرار والسياسات التي تنهج منهج المؤامرات تدميراً للعالم العربي «وفقاً لما تشتهي إسرائيل وترغب» ص120.
واشنطن هي التي أنشأت المنظّمات التكفيريّة وهي التي «تعهّدتها تسليحاً، تدريباً وتمويلاً» ـ خطراً وجوديّاً داهماً، باعتراف وزير الخارجيّة الأميركيّة جون كيري حين قال في حقّ داعش: «.. تركناها تنمو كي نجبر الأسد على التفاوض» ص120.
واشنطن هي راعية اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982 وهي راعية غزو 2006 الذي انهزم فيه الصهاينة أمام مقاتلي حزب الله وصمود الشعب اللبناني بإطار معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» الذهبيّة. وكيف لأي متابع أن ينسى تصريحات وزيرة الخارجيّة الأميركيّة في حينه كونداليزا رايس حول «الفوضى الخلاّقة» و»مخاض الشرق الأوسط الجديد». واشنطن التي «لا ترى المستوطنات شرعيّة» في زمان إدارة أوباما تقول «بحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها» خلال الحروب الصهيونيّة على غزّة مع نصيحة فقط وهي تجنّب «استهداف المدنيين»!.
واشنطن في عهد بوش الإبن هي التي دمّرت العراق وقتلت مئات الألوف وشرّدت الملايين بأعذار كاذبة مجرمة نفطيّة وصهيونيّة. واشنطن رأس حربة في الحرب على سوريا وعلى اليمن الجريح وليبيا المدمَّرة بالتعاون غالباً مع الإستعمار القديم ـ المتجدّد بريطانيا وفرنسا وقوى رخيصة أو متصهينة.
وطبيعي أن يسلّط الأستاذ كامل المرّ أضواء كاشفة على واقع لبنان حيث «حيتان المال وأثرياء الحرب» وحيث «رائحة السمسرات والصفقات تطغى على رائحة النفايات».
«قل كلمتك وامش» كتاب في الوطنيّة والإنسانيّة التي تكره الحرب وتدعو في آن إلى خوضها إذا كانت مفروضة دفاعاً عن الأرض والكرامة، وهو الذي ينقل ما قاله الشاعر: «إذا لم يكن من الموت بدّ \ فمن العار أن تموت جبانا».
Shawki1@optusnet.com.au