عيد الفصح طريقُنا الى الحرية
أحبائي، أبناء وبنات أبرشيتنا المارونية،
1. قيامةُ الربِّ يسوعَ من بين الامواتِ حقيقةٌ تاريخيةٌ “سلّمَها إلينا أولئك الذين كانوا من البدايةِ شهودَ عَيانٍ، ثم صاروا خُدّاماً للكلمة” (لو1/2)، وهي حقيقةٌ ايمانيةٌ اساسية يعلنها الرسل والتلاميذ والتلميذات مع الملائكة: “إنه ليس هو ههُنا لقد قامَ كما قال!” (متى28/6). وعلى أساسها انطلقت بشارة الإنجيل لتؤكد للعالم اجمع بأن الربَّ يسوع المسيح قد تألم وصلب ومات حقّاً، ولكنه في النهاية انتصر على الموت وقام، لقد قام، حقّاً قام من ظلمة القبر وصمته، وانطلق ليحرر الانسان من الموت والخطيئة ويدعوه الى الحياة الجديدة.
.
2. إن حدثَ القيامةِ يتجلى بكونه عبوراً من العبوديةِ الى الحرية، من الظلمة الى النور، ومن الموت الى الحياة. إنه قِصّةُ الحرّية التي تضُجُّ بها أسفارُ العهد القديم من الكتاب المقدس، ومنها قِصّةُ عبور الشعب اليهودي من العبودية والذِّل في أأأأرض مصرَ الى الحرية والكرامة في ارضِ الميعاد. وهنا يُطرحُ السؤالُ: ما هو الانجاز الاهم عند الشعب اليهودي بعد تحررهم ووصولهم الى ارض الميعاد؟ لقد بنوا هيكلا ليعبدوا لله فيه، واحتفلوا بانجازه لانهم كانوا يريدون قبل كل شيء حريتَهم الدينية.
3. ومع قيامة الرب يسوع انفتَحَ امامَ الانسانِ الطريقُ الصحيحُ الى الحرية الحقيقية، لأن الرب يسوع بموته على الصليب انتصر على االموت والألم والشر والشيطان. وبقيامته رمّم صورةَ الله في الانسان التي شوّهتها الخطيئةُ الاصلية، وحرّر البشريةَ من النظرةِ القديمة التي ترتكزُ على العدواة بين البشر، و أعطى الإنسان القدرةَ على اعتبارِ الآخرَ أخاً له في الانسانيةِ ومساوٍ له في الكرامة والحرية، وليس تهديدا لوجوده وطموحاتِه ومصالحه. “فالمحبة نحو إخوتنا، كما يقول لنا القديس يوحنا الحبيب، تبيّن لنا أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة” (1يو3/14).
4. لكن المؤمنون في الأجيالِ المسيحية الأولى، لم يستطيعوا بسبب الاضطهاد والظلم، أن يحتفلوا علانيةً بعيد القيامة. وبالرغم من ذلك نمَت الكنيسةُ وانتشرت بشكل كبير إذ “كان الربُّ، كلَّ يومٍ، يضمُّ إلى الكنيسةِ الذين يخلُصون” (أعمال2/47). وأقبل الكثيرون على الايمان بالرب يسوع وثبُتوا على هذا الايمان حتى الموت والاستشهاد. وفي مطلِع القرن الرابع كان الحدثُ المِفصليّ مع منشور ميلانو سنة 315 الذي أعطى الحريةَ الدينيةَ للمسيحيين. وقد ترجَمَ المسيحيون هذه الحريةَ ببناء الكنائس والاديار لعيش الايمان الحق وعبادة وتمجيدِ الرب.
5. وما احتفالُنا بعيد الفصح اليوم سوى احتفالٍ بالحريةِ الحقّة، حريةِ ابناءِ وبناتِ الله الذين يعتمدون روحانيةَ الانجيلِ في حياتِهم، فنسعى نحن على مثالهم الى مواصلة مسيرة آبائِنا الذين ما لبثوا بعد وصولهم الى ارض هذا البلد العظيم اوستراليا، حتى باشروا ببناء الكنائس والاديار تعبيراً عن ايمانهم العميق بالله وعلامةً للحرية الدينية التي هي في اساس مجتمعنا الاوسترالي.
6. غيرَ أننا نجدُ اليومَ انفسَنا امام طروحاتٍ وقوانين جديدة لا تقبلُ بالمفهوم العام للحريات الاساسية، وترفضُ بالتّالي حريّةَ التعبير وحريّةَ المعتقدِ الديني باسمِ حرياتٍ جديدةٍ قد تدمّرُ هوية الانسانَ ومفهوم العائلةَ وبنية المجتمع. ويحتار ابناؤنا وبناتُنا في المدارس والجامعات واماكنِ عملِهم ويتساءلون عن كيفية التعامل مع هذا الواقع المرير؟ الجواب موجود في سر القيامة الذي هو احتفال بالحرية كرسالة سماوية، وهو بالتالي طريق الى معرفة الحق لاننا بمعرفة الحق نتحرر (يو8/32). فكلُّ طرحٍ مبنيٍّ على باطلٍ لن يدوم، والحريةُ لا تُفهم إلا لكونِها عطيةٌ من عند الله. وهذا ما يدفعنا الى التشبث يوما بعد يوم بحريتنا وايماننا، والى الالتزام الدائم بالزواج والعائلة بحسب تقليد كنيستِنا المارونية والتعليمِ المسيحيِّ الكاثوليكي.
7. واحتفالُنا بعيد الفصح هذه السنة، يقعُ بينَ حدَثين مُهِمّين في ابرشيتِنا المارونية: الأول هو وصولُ ذخائرِ ابينا القديسِ مارون وبدءُ مسيرةِ حجٍّ الى مختلِف الكنائسِ في الابرشية للافساح في المجال للجميع لنيل بركة الذخائر وطلب شفاعة القديس مارون، وذلك في سبيلِ تجديدِ واطلاق الروحانية المارونية في جاليتنا الاوسترالية. والحدثُ الثاني هو المجمع الابرشي الماروني الاوسترالي الاول والذي سيَعقُدُ دورتَه الأساسيةَ الاولى من 12 الى 14 نيسان، والذي يهدف الى وضع رؤية مستقبلية لكنيستنا المارونية في اوستراليا، و من المهمّ جداً أن نصلّي معاً من أجل إنجاح أعمال هذا المجمع.
أيها الأحباء،
8. تبقى قيامة الرب يسوع حجرَ الزوايةِ في حياةِ الكنيسة وابناء الايمان، لأنه كما يقول القديس بولس: “لو لم يقُمِ المسيح لكانت كرازتُنا باطلة وايمانُنا باطل” (1كور15/14). ولان القيامةَ هي طريقُنا الى الحرية، علينا ان نعودَ إلى ذواتِنا ونفكرَ في كل ما يجبُ ان نتحرر منه. واوّلُ ما يجبُ التحرّرَ منه هو الخطيئةُ والشر: “فتوبوا وارجعوا ليمحو الله خطاياكم” (أعمال3/19) كما يقول القديس بطرس. والخلاص الذي حقّقه لنا الربُّ يسوع بموته وقيامته، لا يمنعُ عنا التجربةَ والخطيئة، إنما ينجّينا من تداعيات الشر والخطيئة علينا. وكما نقرأ في وصايا الكنيسة : اعترف بخطاياك اقلّه مرةً في السنة، في عيد الفصح. هكذا ننال مغفرة خطايانا بممارسة سر التوبة والاعتراف للكاهن، لنتتحررَ من عبودية الشر والخطيئة وندخلَ الى الفرح والرجاء والسلام في عيد القيامة.
9. وعلى مثال عبور الشعب اليهودي من العبودية الى الحرية كذلك نحن بقيامة الرب يسوع، نعبُرُ من الانسان القديم المستعبَد للخطيئة والموت، الى الانسان الجديد المتحرّرِ من العبوديات، انسان النعمة والحياة. عندها، نصبح جميعاً مدعوّين لنكون أبناءً لله بالروح والحق. ولنَهتِف معاً بصوتٍ واحدٍ قائلين:
المسيح قام…..حقاً قام!
+المطران أنطوان-شربل طربيه
راعي أبرشية أوستراليا المارونية