القس الدكتور جُون نَمُّور
في أيام هوشع النبي شبَّهَ الرب بني إسرائيل كامرأة خانت العهد فقال:»لأن أمَّهم قد زنَتِ [ابتعدَت عنه روحيّاً]. التي حبِلَت بهم صنَعَت خزياً لأنها قالت أذهبُ وراء مُحبيَّ [آلهة الأمم الوثنية] الذين يُعطون خُبزي ومائي صوفي وكتَّاني زيتي وأشربتي. وهي لم تعرف أني أنا أعطيتُها القمحَ والمسطارَ والزيت وكثّرتُ لها فِضَّةً وذهبَاً [لكنهم] جعلوه لبعلٍ [قدّموا عطاياه للإله بَعْل]. لذلك أرجِعُ وآخذُ قمحي في حينهِ ومِسطاري في وقتهِ وأنزِعُ صوفي وكتَّاني اللذين لِسترِ عَورَتِها. والآن أكشف عورَتَها أمام عُيُونِ مُحبّيها ولا يُنقذُها أحدٌ من يدي. وأبَطّلُ كُلَّ أفراحِها أعيادِها ورؤوسِ شهورها وسبُوتِها وجميعَ مواسِمها. وأخرّبُ كرمَها وتينَهَا اللذين قالت هما أجرتي التي أعطانِيَها مُحبيَّ وأجعلُهَما وعراً فيأكلُهُما حيوانُ البريّةِ. وأعاقِبُها على أيامِ بعليمَ [البعليم جمع كلمة بعل] التي كانت فيها تُبّخرُ لهم وتتزيَّنُ بخزائمها وتذهبُ وراءَ مُحبّيها وتنساني أنا يقولُ الربُ» (هوشع2).
للأسف نحن أيضاً نعيش نفس الحالة. نتمتع ببركات الله لكننا نخونه حيث نتبع ونمجّد الآلهة الغريبة وينطبق علينا القول المأثور: «يأكلون خيره ويعبدون غيره». ظن الشعب القديم أن من يُباركهم البعل وليس إله إبراهيم واسحق ويعقوب. نتيجة الظلمة الروحية صدّقوا خرافة البعل بأنه إله الخصب والإثمار ويُعطي الأمطار والزروع.
غضبَ الربُّ عليهم لعدم الوفاء. لم يلاحظوا محبته لهم وعنايته بهم. فقال بشأن جُحودهم وجهلهم: «وهي لم تعرف أني أنا أعطيتُها القمحَ والمسطارَ والزيت». لذلك وعَدَ بتأديبهم: «لذلك أرجِعُ وآخذُ قمحي في حينهِ ومِسطاري في وقتهِ وأنزِعُ … وأكشف…وأبَطّلُ…وأخَرّبُ…وأعاقُبها على أيام [عبادة] البعليم». أيضاً يُحزن القلب قول الرب بشأن خيانتهم وخداعهم واستغلالهم له: «ويلٌ لهم لأنهم هربوا عنّي. تبّاً لهم لأنهم أذنبوا إليَّ. أنا أفديهم وهم تكلَّموا عليَّ بكَذِبٍ. ولا يصرخون إليَّ بقلوبهم حينما يولولون على مضاجِعِهِم. يتجمَّعون لأجل القمح والخمر ويرتدّون عنّي [أي يتجمَّعون أمامه لنوال بركاته وليس عبادته]. وأنا أنذرتُهُم وشدَّدت أذرُعَهُم وهم يُفكّرون عليَّ بالشرِ» (هوشع7).
كانوا يلعبون على حبال الدين والإيمان ويتوددون للرب لينالوا خيراته ثم يبتعدون، فقال لهم: «أيَسْلُبُ الإنسانُ اللهَ. فإنكم سلبتموني…قد لُعِنتم لَعْنَاً وإيَايَ أنتم سالبون هذه الأمّة كلُهُا» (ملاخي3). فما أن يَقْوَى ساعدهم وتفيض مخازنهم كانوا ينحرفون وراء النجاسات والشهوات الرديّة ويتعلّقوا بآلهة الوثنيين التي تُصَفّق لهم وتبارك شرورهم وانحرافهم. وهذا ما حدث مع المسيح حيث كانت الناس تستغلّه بشفاء الأمراض وإخراج الأرواح الشريرة منهم ثم يمضون عنه. فقال لهم بعدما أشبعهم من الخبز والسَّمَك وكانوا بالآلاف: «الحق الحق أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آياتٍ بل لأنكم أكلتم من الخُبز فشبعتم. أعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يُعطيكم ابنُ الإنسانِ [تنبّأ دانيآل النبي عن المسيح الإله وأعلن عنه بأنه سيكون إبن الانسان بالتجسُّدَ ليفتدينا من خطايانا ودينونة جهنم]» (يوحنا6). في الظاهر كانوا يتبعونه من مكان الى مكان وبدوره كان يرى ما في صدورهم من غايات أرضية باطلة إذ ابتغوا فقط إشباع البطون. بذات الشأن قال الوحيُّ: «وفيما يسوع داخلٌ إلى قريةٍ استقبله عشرة رجالٍ بُرصٍ فوقفوا من بعيد ورفعوا صوتاً قائلين يا يسوع يا مُعلّم ارحمنا. فنظر وقال لهم اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة. وفيما هم مُنطلقون طَهَروا. فواحدٌ منهم لما رأى أنه شُفيَ رَجَعَ يُمّجدُ اللهَ بصوتٍ عظيمٍ. وخرَّ على وجهه عند رجليه شاكراً له. وكان سامريّاً. فأجاب يسوع أليس العشرةُ قد طَهَروا. فأين التسعة. ألم يوجد من يرجِعُ ليُعطيَ مجداً لله غيرُ هذا الغريبِ الجنسِ. ثم قال له قُم وامضِ. إيمانُكَ خلَّصَكَ» (لوقا 12:17). إذاً وبكل وضوح، المسيح يتوّقع منّا أن نتبعهُ بأمانهة ونبادله المحبة ونقدّم له الشكر والحمد لأجل جميع حسناته كما هو مكتوبٌ: «باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليُبارك اسمه القدوس» (مزمور 103).
الله حنّان ويُعطي الجميع بسخاءٍ ولا يُعيّر (يعقوب1) لكنه في توقيته الألهي سيقول لمن استغلَّ محبته ولم يتُب: «أرجع وآخذ وأنزِع وأكشف وأخرّب وأعاقب». فلنقف أمامه بصدق لأنه يعلم كل شيء ولأن حياتنا كبخار يظهر قليلا ثم يضمحل. قال الوحيُّ- التقوى مع القناعة تجارةٌ عظيمةٌ. لأننا لم ندخل العالم بشيءٍ وواضحٌ أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيءٍ (1تيوثاوس6). إذاً، فلماذا نتشاطر على الله؟ لماذا نستميت لامتلاك ما ليس لنا؟ والذي لنا لا ولن نأخذه معنا أبدا. *** نُصَلِّي:«أيُّها الرَّب يسوع المسيح ارحمني واقبل تَوبَتِي واغفر خطاياي بِدَمِ ذَبِيحَتِكَ الكفَّاريّة واملأنِي بِرُوحِكَ الطَّاهِر وامنحني نعمة الحياة الأبدية المجيدة لأحيا بِقُوَّةِ رُوحِكَ بِبِرٍّ وقَدَاسَة إلى الأبَدِ». أخيرا أهدي للأب والابن والروح القدس الإله الواحد المُثَلَّث الأقانيم المجد والسجود والتعبّد الآن والى أبد الآبدين آمين.