عباس علي مراد -سدني
في الوقت الذي تعاني فيه الطبقة السياسية في البلاد أزمة ثقة بينها وبين المواطنين، بدأت ملامح تدهور إداء هذه الطبقة بالإنحدار إلى مستويات غير مسبوقة بالظهور في جلسات مجلسيّ النواب والشيوخ وعبر الإعلام. وخير دليل على أزمة الثقة هذه ردة فعل المواطنين السريعة على هذا الإداء، فحسب أستطلاع الرأي الذي نشرته جريدة الأستراليان الإثنين 05/30/2018. تدنت شعبية رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول الى أدنى مستوياتها 37% بتراجع 14 نقطة منذ شهر شباط بينما شعبية زعيم المعارضة بيل شورتن بقيت عند 35%.
كانت فضيحة بارنبي جويس وعلاقاته الجنسية مع المسؤولة الإعلامية السابقة في مكتبه وشريكته الحالية فيكي كامبيان، وإتهامه بالتحرش الجنسي بأحد السيدات من الحزب الوطني أول الغيث، التهمة نفاها جويس وتتولّى الشرطة التحقيق فيها وكانت السبب في استقالته وانتخاب وزير شؤون المحاربين القدامى مايكل ماكورماك مكانه رئيساً للحزب الوطني وقدعيّن ماكورماك نائباً لرئيس الوزراء بموجب الإتفاق بين حزبي الأحرار والوطني اللذين يشكلان الإئتلاف الحاكم.
ما إن انتهت أزمة نائب رئيس الوزراء ورئيس الحزب الوطني السابق بارنبي جويس رغم تواصل تداعياتها حتى دخلت الحكومة في رمال الأزمات المتحركة.
الحكومة التي خرجت العام الماضي بنتائج سياسية أفضل كانت تنوي البناء عليها لتحسين شعبيتها، فإذا بها تصاب بنكسة تلوى الأخرى ليس بسبب إداء المعارضة ضدها لكن بسبب إداء وزراء ونواب الحكومة نفسها.
رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول والذي منذ ثلاثة أسابيع تبنّى مبدأ تغيير الثقافة السائدة في البرلمان وطريقة عمله بعد تفجّر فضيحة جويس، ووضع معايير أخلاقية جديدة مطالباً بشروط أفضل للنساء العاملات في مكاتب الوزراء ومنع العلاقات الجنسية بين الوزراء ومواظفيهم، وجد نفسه الأسبوع الماضي في معمعة وفوضى سياسية بسبب إداء كل من وزيرة أماكن العمل ميكائيلا كاش التي ردّت بعصبية وانفعال في مجلس الشيوخ على سؤال من السينتور داغ كاميرون عن أحد الموظفات في مكتبها في جلسة استماع للجنة التقديرات البرلمانية قائلة: «إذا كنت تريد مناقشة قضايا الموظفين عليك الحذر لا بل يجب أن تكون حذراً جداً مضيفة أنا سعيدة جداً بأن اسمي كل النساء الشابات في مكتب السيد شورتن(زعيم المعارضة) حيث الشائعات كثيرة. إذا اردت دخول هذا المدخل اليوم. أنا على استعداد لفعل ذلك اتريدني أن أبدأ بذكر الأسماء؟» (سدني مورنيغ هيرالد 03/03/2018 ص 24 قسم ما وراء الأخبار).
وزير الشؤون الداخلية بيتر داتون دعم موقف زميلته، ففي مقابلة مع إذاعة تو جي بي قال: «سأكون صادقاً بكلامي حول هذا الموضوع، اعتقد أننا نجلس هنا نتلقى محاضرة أخلاقية من بيل شورتن (زعيم المعارضة) بما يتعلّق ببارنبي جويس والناس تعلم أن هناك مشاكل تاريخية في حياة شورتن الشخصية، وطوني بورك أيضاً (نائب عمالي) هذه أمور لا يمكن هضمها.»
وقبل أسبوعين كان رئيس الوزارء السابق طوني أبوت الأحراري قد شنّ هجوماً على الحكومة على خلفية برنامج الهجرة، حيث دعى أبوت إلى تخفيض أعداد المهاجرين من 180 ألفاً إلى 110 آلاف مهاجر من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين من خلال تخفيض الضغط على البنى التحتية وتحسين أجور العمال والموظّفين وحتى يستطيع المواطنون شراء المنازل والحد من نسبة الجريمة الإثنية.
إذن، الغائب الأكبر عن النقاش السياسي الأسبوع الماضي كانت القضايا المهمة والتي تأتي على سلّم أولويات المواطنين. ووصفت صحيفة (س م ه) في افتتاحيتها في 03/03/2018 ص 30 النقاش السياسي الدائر في كامبرا (العاصمة الفيدرالية) بالتافه حيث أمضى السياسيون وزعماؤهم الوقت في الحديث عن التصرفات الشخصية والشائعات ومصاريف الوزراء والنواب، غامزة من قناة رئيس الوزراء والتغيير الثقافي الذي نادى به قبل ثلاثة أسابيع فقط، ومستوى الإداء الذي دعى إليه، فإن معظم المواطنين يطالبون بالعودة إلى الأيام السيئة القديمة.
يعتقد محرر الشؤون السياسية في الصحيفة ذاتها بيتر هارتشر بأن الأمور ستكون بشعة ومتوحشة بسبب هذا الأسلوب الذي يعمل به النظام السياسي حيث إجتازت أستراليا العتبة السياسية القديمة ولا مجال للعودة.
يقول هارتشر ان الأحزاب تعترف ضمنياً انها غير آهلة لتحديد سعرالفائدة فتمّ إعطاء تلك الصلاحية للبنك المركزي، وكذلك الحال بالنسبة لجمع الضرائب فتمّ تحويل المهمة الى مكتب الضرائب، وفي ما يتعلق بالإنتخابات حُوِّلَتْ المسؤولية الى مفوضية الإنتخابات المستقلة، وعن فقدان المصداقية بالسياسيين للتحقيق في قضايا الفساد تم تشكيل مفوضية لمكافحة الفساد في كل من نيو سوث ويلز (أيكاك) وفكتوريا (أباك). ولمراقبة مصداقية الأحزاب في ما يتعلق بالعجز بالميزانية تمّ تشكيل المكتب البرلماني المستقل للميزانية. (س م ه3/3/2018 ص 34 قسم ما وراء ألأخبار).
وتعليقاً على ما وصلت اليه الأمور يقول المستشار السابق في حزب الأحرار ورجل الأعمال الأستراتيجي إيان سميث: «إن المشاعر تغلّبت على العقل في السياسة الغربية، إننا نعيش اليوم في عالم حيث الشعارات العفوية والسطحية مثل « اوقفوا قدوم المراكب» « اربح الإنتخابات ودعْ تحديات مسألة الهجرة واللاجئين وخصص لها جزءاً ضئيلاً من النقاش» (س م ه 03/03/2018 ص 25 قسم م ا وراء الأخبار).
أخيراً، كان الملفت للنظر أن طوني أبوت انتقد تصرفات الوزيرة كاش قائلاً: «إذا جاءت هذه التصرفات من حزب العمال فهي سيئة» واستطرد :» إنها سيئة عندما تأتي من حزب الأحرار وبشكل خاص سيئة أكثر أذا جاءت هذه التصرفات من وزراء في حكومة التاج لأنه من المفترض أن يتصرّف هؤلاء الوزراء بمهنية عالية. رئيس الوزراء من جهته اتخذ موقفاً مغايراً عن موقف أبوت ودافع عن الوزيرة كاش كما اعتبر أن السنتور داغ كاميرون استفزّ واستقوى على الوزيرة كاش!.
زعيم حزب الخضر ريتشرد دي نتالي إنتقد موقف رئيس الوزراء على قناة أي بي سي برنامج سؤال وجواب الإثنين 05/03/2018.
ويبقى السؤال هل فعلاً وصلنا الى مرحلة اللاعودة في الإنحدار السياسي، والتخلّي عن مواجهة التحديات المعيشية التي تثقل كاهل المواطن، والى متى يمكن لهذا المواطن التحمّل؟!
في عالم ينجرف بسرعة نحو تحديات ومواجهات لا بل الى حرب إقتصادية بدأت تتطل برأسها من خلال عودة الحماية الجمركية التي بدأتها الولايات المتحدة ألأميركية بفرض ضرائب على الحديد (25%) وعلى الألمنيوم (10%)، والتي سيكون لتداعياتها تأثيراً على الإقتصاد الأسترالي شئنا أم أبينا، في الوقت الذي ما زلنا نتلهى بفضيحة بارنبي جويس والتي لم تغب عن الصفحات الأولى، وهذه المرة على خلفية أبوة جويس للطفل الذي تحمله شريكته فيكي كامبيان حيث عنونت صحيفة ذي صن هيرالد وعلى صدر صفحتها الأولى في عددها الأحد 04/03/2018 المنطقة الرمادية» جويس يتساءل عن أبوة الطفل الذي كلّفه وظيفته.
هذا الأمر دفع بجويس إلى شن حملة عنيفة على وسائل الإعلام لإستمرارها في ملاحقته رغم إستقالته من منصب نائب رئيس الوزراء.
حقاً هزلت!