شاء الله تعالى أن يكون الإنسان قُمَّة الإبداع في العَالَم فَخَلَقَنَا على صورتهِ كشَبَهِهِ ومِثَالِهِ لكن تَحَوَّى الشيطانُ في الحَيَّةِ في جَنَّةِ عدْنٍ للقضاء على البَشَريّة. فأسقط آدم وحوَّاء بالعصيان وحينئذٍ أصْدَرَ الرَّبُّ حِكْمَهُ عليهما بالطرد والألم والشقاء والموت وقال للحَيَّة:»لأنَّكِ فعلتِ هذا مَلْعُونَةٌ أنتِ من جميع وُحُوشِ البّريّةِ على بَطْنِكِ تَسْعَينَ وتُراباً تأكُلينَ كلَّ أيامِ حياتِكِ. وأضَعُ عَدَاوَةً بينكِ وبينَ المرأةِ وبينَ نسْلِكِ ونسلِها. هو يسحَقُ رأسَكِ وأنتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ [المسيح يسحق رأس الشيطان بالفِدَاء والشيطان يسحق عَقِبَهُ بأوجاع الصَّلب والموت الجَسَدِيّ]» (تكوين14:3). ومنذُ ذلك الحِين عَلِمَ الشَّيطان أن المُخَلِّص الأوحد الذي سيسحقه سيأتي من نَسلِ المرأة كقول الوحي:»فإذ قد تَشَارَكَ الأولاد [أولاد الربّ] في الَّلْحمِ والدَّمِ اشترَكَ هو أيضاً [المسيح] فيهما لكي يبيدَ بالموتِ ذاكَ الذي لهُ سُلطانُ الموتِ أيْ إبليسَ ويُعتِقَ أولئِكَ الذين خوفاً من الموتِ كانوا جميعاً كلَّ حياتِهِم تحتَ العُبُوديّةِ» (عبرانيين14:2).
نتيجة السُّقُوط بآدم كُتِبَ علينا الموت جَسَدَاً وَرُوحَاً ثم الطَّرح في جَهَنّم؛ إن كنا لا نُؤمِن ونحتمي بالمُخَلِّص القدير. وعَلِمَ آدَم وحوَّاء بواسطة الرَّب أنَّ تقديم الذبيحة الكَفَّارِيَّة أمرٌ ضروري للخُطَاة لينالوا بالفِدَاء غُفْرَان الخطايا. وتَثَبَّتَ الأمر لاحقاً إثْرَ نُزُولِ شَرِيعَة مُوسَى حين أخذَ الشَّعب الوصيَّة لتقديم الذَّبَائِح الحَيَوانِيَّة للتكفير عن أنفسهم كإشَارة لِذَبِيحَة المسيح. وبما أن الشيطان أخذ يتَوَقَّعَ الهزيمة النَكرَاء بمجيء المُخلّص الذي سيسَحْقُ رأسه بمعركة الصلب الرهيبة سعى جاهِدَاً لإفسَاد جِنسنا البَشري بِشَتَّى الطُرق لعله يقطع الطريق على الفادي الموعود. رأينا ذلك في زَمَنِ نُوح: «ورأى اللهُ الأرضَ فإذا هي قد فَسَدَتْ. إذ كانَ كلُّ بَشَرٍ قد أفسَدَ طَرِيقَهُ على الأرضِ. فقال اللهُ لِنُوحٍ نِهَايَةُ كُلُّ بَشَرٍ قد أتَتْ أمامي. لأن الأرضَ امتلأتْ ظُلماً مُنهم» (تكوين12:6). لكنه لم ينجح لأنَّ الله رَتَّبَ أنَّ يأتي المُخلِّص من نَسْل سَام ابن نوح (تكوين9).
وبعد الطُوفان بزمنٍ قليلٍ أوحى إبليس للناس أن يبنوا بُرجِ بابلِ لعلهُ يُضَلِّل الذين خَرَجوا من نَسْلِ نُوح لِيَتَمَرَّدُوا على الله. فَبَدَدَّهُم الله وجعلهم أُمَمَاً بِأَلْسِنةٍ ولُغَاتٍ مُتنوعة (تكوين10). ثُمَّ كلّم الله إبرَهِيم وأِسْحَق ويعقُوب ووعدهم أن يأتي المُخَلِّص من نسلهِم (تكوين12،17،28) فأخَذَ إبليس يتربَّص بِنسلهم مُستخدِمَاً فرعون مِصر ليقتل أطفالهم حينما تَكَاثَرُوا. لكن أنقَذَ الرَّب الطفل موسى بواسطة إبنة فرعون نفسه إذ حَنَّت عليه. خَبَّأتْهُ أُمُّهُ ثلاثة أشهرٍ رُغم أمر فرعون وعندما لم تستطع إخفاءه وضعتهُ في سَفَطٍ من البَرْدِيِّ بين الحَلْفاءِ على حَافَةِ نَهرِ النِّيل ووقفت أختُهُ مريم من بعيدٍ لتعرفَ ماذا يُفْعَلُ بهِ (خُرُوج3:2). ولما حانَ الوقت خَلَّصَ مُوسَى شعبه من عُبُوديّة فرعون إشَارَة لِخَلاَصِ المسيح الذي يُخَلُّصُ العالَم من عُبودية الشَّيطان والخطيّة.
وبعد محاولات عديدة عِبرَ السنين استخدَمَ إبليس الملك هِيرُدُوس الذي حاول خِدَاع المجوس الذين جاءوا ليسجدوا لِلصَّبِي يَسُوع الذي جاءُوا إلى أورشَلِيم قائلين أين هو المولودُ ملكُ اليهودِ. فإننا رأينا نجمهُ في المَشْرِق وأتينا لِنَسْجُدَ لهُ. فاضطرَب هيردوس وقال لهم اذهبوا وافحصوا بالتدقيقِ عن الصَّبِيِّ. ومتى وجدتموهُ فاخبروني لكي آتي أنا أيضاً وأسجدُ لهُ. فذهبوا وقَدَّمُوا للصَّبِيّ هَدَايَا؛ وإذ أوحيَ إليهم في حُلمٍ أن لا يرجعوا إلى هيردوس انصرفوا في طريقٍ أخرى إلى كُورَتِهِم. وبعدما انصرفوا إذا ملاكُ الربِّ قد ظَهَرَ ليوسفَ في حُلمٍ قائلاً قُمْ وخذ الصَّبِيَّ واُمَّهُ واهْرُبْ إلى مِصْرَ. حينئذٍ لما رأى هِيرُوُدسَ أنَّ المجوسَ سَخِروا بهِ غَضِبَ جدّاً فأرسَلَ وقتَلَ جميعَ الصِّبيَانِ الذين في بيتِ لحمٍ وفي كُلِّ تُخُومِهِا من ابنِ سَنَتَينِ فما دونُ بِحسَبِ الزَّمانِ الذي تَحَقَّقَهُ من المجوسِ (متى8:2).
لم يتمكَّن إبليس من القضاء على المُخَلِّص رغم مُحاولاتهِ المُتكرّرة لكنه تَمَّكنَ أخيراً من سَحْقِ عَقِبَ المسيح فوق الصليب. سُحِقُ عَقِب المسيح إذ مات كبَشَر لِفِدَائِنَا وغُفْرَانِ خطايانا بذبيحتِهِ النِيَابِيَّة. لكنه سَدَّدَ الضَربة القاضية للشيطان وأجناده بِقِيَامَتهِ من الأموات مُكَلّلاً بالنَصرِ والمَجْدِ. كان التجسّد الإلهيّ الوسيلة الوحيدة لخلاصِنا ولهذا اقتضَى أن يُولَدَ المسيح من العذراءٍ المُطَوَّبَة بالرُّوح القُدُس ليجْمَعَ الألُوهَة بالإنسانية بكمالٍ مُطلَق ويكون المُخَلِّص الأوحد المُؤَهَل لفدائنا، من فَمِ الهَاوِيَةِ والموتِ الثاني (متى1؛ إشعياء59؛ هوشَع13؛ رؤيا20). المسيح كابن الإنسان الكامِل نَزَعَ سِلاَحَ الشيطان الذي اتَّكَلَ عليهِ طِيلَة الدُّهُور الكَونِيَّة الماضية كقول الوحي:»لأجلِ هذا أُظهِرَ ابنُ اللهِ لكي ينقُضَ أعمالَ إبليسَ» (1يوحنّا8:3؛ لوقا21:11). ولهذا يَثُورُ إبليس كلما سمع باسم المسيح القدير وتجده يعمل المستحيل لِيمْنَع الهالِكَين من التَّحَرُّر والتَّمتَّع بخلاصِه الأبديّ. مكتوبٌ: «وإذ كُنتُم أمواتاً في الخَطَايَا وغَلَفِ جَسَدِكُم أحيَاكُم مَعَهُ [بالمسيح] مُسَامِحَاً لكُم بجميعِ الخَطَايَا. إذ مَحَا الصَّكَّ الذي علينا في الفَرَائِضِ الذي كان ضِدّاً لنا وقد رَفَعَهُ من الوَسَطِ مُسَمِّرَاً إيَّاهُ بالصليبِ. إذ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ والسَّلاَطِينَ أشْهَرَهُم جِهَارَاً ظَافِرَاً بهم فيهِ» (كولوسي13:2). وحده المسيح سَحَقَ الشيطان وجَرَّدَ الأبالِسَة من قوَّتِهم وأيضاً عندَ رُجُوعِهِ الثَّانِي سيطرحهم مع جميع الأشرار في بحيرة النار والكبريت الى الأبدِ (متى 25؛ رؤيا20). لِذَا تهللوا وتَرَنَّمُوا للرَّبِّ لأنه تَمَّمَ وعد الفداء لِجِنْسِنَا وفَتَحَ لنا باب الخَلاَص مَجَّاناً، والآن فما علينا سِوَى التَّقَدُّم إليهِ بِتَوبَة صادقة قائلين:»أيها الرَّبّ يسوع يا مَنْ مُتَّ لأجلِي ارحمني واغفر خطاياي بِذبيحتكَ الطَّاهرة واملأني بالروح القُدس لأنال بِكَ الخلاَص والحَياة الأبَدِيَّة المجيدة». وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإله الواحد المُثَلَّث الأَقَانِيم المجد والسُّجُود والتَّعَبُّد الآن والى أبد الآبدين آمين.