بقلم بيار سمعان

قررت حكومة مالكولم تيرنبل الاسبوع الماضي اقفال المحطات التي تنتج الطاقة الكهربائية على الفحم الحجري خلال ثلاث سنوات من اليوم، رغم ان استراليا تعتبر من اهم الدول المنتجة والمصدرة للفحم الحجري، وهي ثروة طبيعية انعم بها الله عى هذه البلاد. اتخذت الحكومة هذا القرار بحجة حماية البيئة ومنع التلوّث.

كان هذا الاعلان كافياً لكي ترفع شركات الطاقة سعر فاتورة الكهرباء نسبة تصل الى 27 بالمئة، اي ما يزيد على 300 دولار على فاتورة الكهرباء لكل اسرة سنوياً.

واللافت ان نسبة التلوّث الذي تنتجه استراليا لا يزيد على 1،4 بالمئة من التلوّث العالمي، وهي نسبة ضئيلة بالمقارنة مع الهند والصين واليابان التي تزيد  نسبة  التلوّث لديها على 7،5 بالمئة. وهذه البلدان تقوم الآن ببناء محطات جديدة لانتاج الطاقة الكهربائية على الفحم الذي تستورده اصلاً من استراليا.

فانصار البيئة والمنظمات الدولية والمؤتمر العالمي للمناخ تطالب بخفض التلوّث البيئي والاحتباس الحراري الناتج عن ثاني اوكسيد الكربون. وهذه النظرية هي الآن مصدر لغط علمي وتلاقي انتقادات من علماء غير ملتزمين بالايحاءات من قبل بعض المنظمات الدولية المرتبط بتوصيات من يمولونها من النورانيين الذين يسعون الى احكام السيطرة على الشعوب بشتى الوسائل والاساليب.

ومن ضمن المنتقدين لنظرية التلوّث البيئي الدكتور تيم بال الذي يصف هذه الادعاءات انهار اكبر عملية احتيال في تاريخ البشرية. الدكتور تيم بال الذي يمتلك خبرة 50 عاماً في مجالات التبدل الممناخي، اصبح مقتنعاً ان نظرية التبدّل المناخي هي مجرّد اسطورة لابتزاز الدول.

ويتفهم  تيم بال قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. وهو لم يبرر هذا القرار من الناحية العلمية المعقدة بل اكتفى بالقول انها غير صالحة للولايات المتحدة. ويؤكد تيم بال ان الابحاث والعلماء تقصدوا عن سابق تصوّر وبشكل منظم ربط الانبعاث الحراري بالتبدل المناخي وذلك لاسباب سياسية.

ويؤكد تيم بال ان الاشجار تحتاج بالواقع الى المزيد من ثاني اوكسيد الكربون (C02) وان النسبة الحالية لهذا الغاز هي 400 جزئية في كل مليون. وهي الادنى على الاطلاق خلال 600 مليون سنة. وهذا يتعارض مع المقولة ان سكان العالم يلوثون بشتى الطرق البيئة المناخية عن طريق انتاج ثاني اوكسيد الكربون. لذا يجب الحدّ من النمو السكاني في العالم وهذه احدى وسائل المعالجة لهذه الظاهرة «الخطيرة» حسب ادعاءات انصار البيئة.

ولفت الدكتور تيم بال ان العلماء الذين يتلقون اجورهم ويحصلون على التمويل لاجراء ابحاث تدعم نظرية التلوّث المناخي همّ بالواقع أُجراء لدى «جماعة الحكومة العالمية» ويتلقون معلومات من الأمم المتحدة، وهي المؤسسة السياسية العالمية  لهذه الجماعة. وهذا ما دفع الرئيس السابق اوباما وهو احدهم، الى الاعلان ان 97 بالمئة من العلماء يؤيدون فكرة ان المصانع تُسبّب احتباساً حرارياً. وهذه هي النظرية التي يروّجون لها في العالم. لهذه الاسباب يتعرض الرئيس الاميركي ترامب اليوم  لحملة انتقادات يقودها بالخفاء المستفيدون من نظرية التبدلات المناخية… كذلك تعرض رئيس الوزراء الاسترالي السابق طوني آبوت الى حملات مماثلة ادت الى ازاحته من الحكم عندما انقلب عليه رئيس الوزراء تيرنبل، بوحي من ادارة اوباما. لذا سارع تيرنبل بعد اشهر من وصوله الى الحكم الى اعادة استراليا الى خط التناغم مع دول القرار وقدم مليار ونصف دولار لمكافحة الاحتباس الحراري حسب توصيات ومقررات اتفاقية باريس، الأمر الذي رفض آبوت تنفيذه لأنه لم يكن مقتنعاً بنظرية الاحتباس الحراري، وكان يرى كالدكتور تيم بال انها مجرد عملية ابتزاز دولية.

فاستراليا اليوم هي في حالة من الضياع السياسي. اذ ان حكومتها ترغب من جهة الحفاظ على البيئة، حسب المفاهيم السائدة عالمياً ومعالجة التحديات الاقتصادية المتنامية مع ارتفاع حدة المزاحمة مع دول الجوار، خاصة مع الصين والهند واليابان، التي تمتلك الى جانب التكنولوجيا المتطورة، ارتفاعاً ملحوظاً في عدد سكانها (ما عدا اليابان) ووفرة اليد العاملة الرخيصة.

وفيما تلجأ هذه البلدان الثلاثة الى اعتماد الفحم الحجري لانتاج الطاقة الكهربائية وترفع من مستوى الانبعاث الحراري والتلوّث البيئي، تسعى حكومة تيرنبل الى اقفال المصانع المنتجة للطاقة على الفحم الحجري بحجة خفض التلوّث بنسبة 50 بالمئة في غضون 2030. لكن هذه التدابير تتخذ على حساب الاقتصاد العام ومصالح المواطنين وثروات البلاد الطبيعية.

وعوض ان تبحث حكومة تيرنبل عن سبل انتاج الطاقة الرخيصة بواسطة الفحم الحجري وبتقنيات حديثة تخفض من نسبة الانبعاثات الحرارية، قررت هذه الحكومة اقفال مصانع الكهرباء الحالية، ضاربة عرض الحائط المصالح القومية العليا.

فالتقارير الشائعة حول نتائج اجتماع نواب حزب الاحرار يوم الثلاثاء الماضي توحي ان رئيس الوزراء تيرنبل وزملاءه في الحكومة هم غير مستعدين للاستماع الى آراء مناقضة لطروحاتهم السياسية ويفضلون على العكس اعتماد وتبني سياسات ومواقف حزب العمال من القضايا الجوهرية.

فبعد اعتماد خطة غونسكي للتعليم وتمويل المدارس، اتبعت ايضاً حكومة تيرنبل الفلسفة العمالية بشأن سياسة الانفاق ورفع الضرائب والطاقة المتجددة. وبدأ كثيرون يتهمون مالكولم تيرنبل انه يأخذ الإئتلاف عامة وحزب الاحرار خاصة نحو اليسار. وهو على استعداد للتضحية بحزب الاحرار وجميع مبادئه المحافظة ودفع البلاد نحو الانهيار الاقتصادي، حفاظاً على موقعه القيادي وارضاءً لانصار الحكومة العالمية التي تتحكم بقرارات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، ومنها مقررات اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها الرئيس الاميركي لعدم اقتناعه بجديتها وفائدتها العملية.

لهذا قرر انصار الحكومة العالمية شنّ حملة انتقادات ضد الرئيس الاميركي، وهي تسعى بشتى الوسائل الى تطويقه بحجة تطويعه والزامه بخطط عملها، بغية احكام سيطرتها على الكرة الارضية، فاصبح ترامب ينام على تهمة ويستيقظ على فضيحة تهدّد وجوده في البيت الابيض.

وكان رئيس الوزراء السابق طوني آبوت قد رفض الالتزام بمعاهدة باريس للاسباب نفسها، كما رفض تشريع زواج المثليين ودعم الفكر الالحادي من خلال اعتماد برنامج المدارس الآمنة، وهذه مطالب انصار «الحكومة العالمية» فكانت النتيجة ان آبوت «طار» من منصبه كرئيس وزراء ليحل مكانه مالكولم تيرنبل. الذي وافق على معاهدة باريس وهو يسعى الآن بطرق ملتوية وبالتنسيق مع بيل شورتن لتشريع زواج المثليين، آملاً ان يتمكن من استبعاد العناصر المحافظة في حزب الاحرار خلال الانتخابات القادمة. كما قبل تيرنبل وحكومته، ما عدا وزير الهجرة بيتر داتون دفع تعويضات للاجئين المحتجزين في جزيرة مانوس، بحجة التعويض عن المعاملة الرديئة لهم. وهذا ما يرفضه آبوت وآخرون من المجموعات المحافظة الذين يعتبرون ان الانفاق غير المبرّر يهدف الى اغراق البلاد في الديون، الأمر الذي يسعى انصار الحكومة الى تحقيقه في مختلف البلدان بغية فرض شروطهم عليها، والتحكم بسياستها الداخلية.

الشعب الاسترالي هو الآن في حيرة من امره ملفات شائكة وقضايا حيوية تقلق بال الناخب الاسترالي. فهو غير راضٍ عن آداء رئيس الوزراء تيرنبل وغير مقتنع بسياسة وقيادة حزب العمال. لكن الثابت هو ان رئيس الوزراء تيرنبل اثبت فشله في كسب ثقة المواطنين، ولم يتمكن من تحسين شعبيته، اذ اظهر آخر استطلاع للرأي اذ ان 47 بالمئة من الناخبين يؤيدون سياسته  مقابل 53 لصالح بيل شورتن. وحدها بولين هانسن تمكنت من تحسين شعبيتها رغم محاربة العمال والإئتلاف وترويج الشائعات ضدها في الاعلام اليساري. وتبين ان 11 بالمئة من الناخبين يدعمونها بينما انخفضت شعبية حزب الخضر.

< هل يطيح آبوت بتيرنبل؟

وتعليقاً على نتائج الاستطلاع الأخير اعلن طوني آبوت ان كل الدلائل تشير انه في حال جرت انتخابات اليوم فان زعيم المعارضة بيل شورتن سيصبح رئيس  الوزراء المقبل.

لكن طوني آبوت لا يزال في نظر العديد من الاستراليين الزعيم المفضل لقيادة البلاد. ويدعم هؤلاء ادعاءاتهم كون طوني آبوت هو من ابطل الضريبة على الكربون، وهي في توصيات الأمم المتحدة ومؤتمرات التحكم المناخي المشكوك بصحته . لهذا رفض انفاق المال العام في مؤتمر باريس، وابطل الضريبة على المناجم لأنها العصب الأساسي للاقتصاد الاسترالي حسب رأيه. واجتذبت سياسته الاقتصادية العديد من المستثمرين الاجانب وانجز اتفاقيات التجارة الحرة مع اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية. معه ارتفع النمو الاقتصادي من 1،9 بالمئة الى 2،7 بالمئة.

وآبوت تمكّن ايضاً من وقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين بعد ان تساهل حزب العمال بوصول 50 الف لاجئ لا يحمل العديد معهم اية اوراق ثبوتية. وتمكّن آبوت من حماية الحدود واعادة قوارب اللاجئين. كما منح صلاحيات اضافية للشرطة والاجهزة المخابراتية من اجل مكافحة الارهاب وحماية مصالح استرالية الشعبية والمؤسساتية.

ويؤكد هؤلاء ان آبوت هو من وضع مبادئ دفعت المواطن الاسترالي على اعادة اكتشاف هويته بعد ان تعرض هذا المجتمع لهزات تهدف الى ضرب وحدة العائلة وتشريع زواج المثليين وفرض برامج تعليمية تلغي الهوية الفردية والمتمايزة لكل شخص في استراليا.

فهل يعود آبوت الى قيادة البلاد ام سيجرى اقالة ترامب واستبعاده عن رئاسة الولايات المتحدة كما استبعد آبوت عن الحكم، لأن المسيرة نحو فرض حكومة عالمية واحدة يجب ان تستمر  خاصة بعد ان وصل نزاع المسلمين مع العالم الى حالة الانفجار الكامل…!!