بقلم / هاني الترك O A M
إنتهى مؤتمر الأبورجينيين التاريخي الذي عُقد حول الصخرة المقدسة لديهم اولورو على مدى ثلاثة أيام وحضره المئات من الزعماء الأبورجينيين وأصدروا بياناً أطلقوا عليه «من القلب» طالبوا فيه رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل بدعم مطالب الأبورجينيين بالاعتراف الدستوري بأنهم سكان استراليا الأصليون .. وانتخاب ممثلين لهم داخل البرلمان الفيدرالي من أجل تمرير تشريع بهذا الشأن.. وإنشاء لجنة منفصلة مهامها البحث وتنفيذ خطة لإبرام معاهدات مع الاستراليين مثل المصالحة الوطنية وإنشاء مفوضية تعني بالتئام جروح الماضي.
واعترف الأبورجينيون أن الطريق أمامهم لا يزال طويلاً لتحقيق آمالهم عن طريق المفاوضات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمقاطعات.
وفي كلمة لرئيس الوزراء مالكلولم تيرنبل رداً على توصيات المؤتمر المثيرة للجدل وبمناسبة الأسبوع الوطني للمصالحة بين الاستراليين والابورجينيين وفي ذكرى مرور خمسين عاماً علي الاستفتاء الذي جرى عام 1967 الذي أقرّ إعطاء الأبورجينيين جزءاً من حقوقهم الإنسانية والدستورية قال تيرنبل: إن الحكومة سوف تدرس البيان محذراً أن نجاح أي حملة لتعديل الدستور تحتاج إلى الوحدة مثل حملة التعديل منذ خمسين عاماً.
وقال زعيم المعارضة العمالية الفيدرالية بيل شورتن أن معاهدة المصالحة الوطنية تحتاج إلى الكثير من الكفاح والعمل.
ورغم أن مطالب المؤتمر طموحة جداً إلا أنه يمكن تحقيقها على خطوات.. وعلينا الآن أن نفتح صفحة من تاريخ الاستيطان البريطاني لاستراليا لمعرفة مكمن الخطأ من جذوره:
حينما كنت أدرس القانون في جامعة سيدني للتكنولوجيا كان عميد الكلية وأكبر خبير في التاريخ القانوني الاسترالي قال في إحدى المحاضرات: «عندما أبحث في تاريخ استيطان ولاية نيو ساوث ويلز واتعرض إلى قضية الابورجينيين في الولاية أثناء بدء وفترة الاستيطان أفكر ماذا كان وضع القانون الذي حدد وضع الأبورجينيين.. إن البحث في هذه القضية يثيرني جنسياً Turn me on وكأن امرأة تداعب خيالي».
هذا هو لبّ القضية التي يواجهها الابورجينيون الآن.. فلو كان البريطانيون الذين اكتشفوا واستوطنوا القارة ولم يقعوا في الخطأ التاريخي في الولاية لما أدى ذلك إلي الاضطراب الواقع الآن بين الأبورجينيين والاستراليين منذ بدء الاستيطان والذي لا تزال آثاره حتى الآن.
حينما رست السفينة البريطانية إند إفر على شاطئ بوتاني بي بيقادة الكابتن جيمس كوك في العام 1970 أعلن كوك أن أراضي القارة الاسترالية هي ملك للتاج البريطاني.. وكان العرف المتبع في الاكتشافات البريطانية في العالم هي إذا كانت الأراضي التي يكتشفها البريطانيون مأهولة بالسكان فلا تعتبر ملكية للتاج البريطاني وبالتالي تُطبق قوانين سكانها مع مساعدة القوانين البريطانية.. أما الأراضي التي تكتشفها بريطانيا وليس فيها سكان تصبح من ملكية التاج البريطاني ويطبق عليها القانون البريطاني.
القبطان كوك أعلن نيابة عن الملكية البريطانية أن القارة الاسترالية هي أراضٍ بلا سكان ومن ثَم ملكية بريطانيا رغم وجود الأبورجينيين فيها منذ 60 ألف عام.. وهنا يكمن الخطأ التاريخي البرطاني والذي يعتبر ظالما وغير محق في حق الأبورجينيين نجم عن تطبيق القوانين البريطانية على المستوطنة ومن ثم إسقاط حق الأبورجينيين في أرضهم التاريخية.. وبعد السنوات الطويلة من الاستيطان بدأت استراليا تدرك الخطأ وتصحح جزءاً يسيراً من حقوقهم التاريخية ولكن من خلال القوانين الاسترالية التي بعض نصوصها مستمد من النظام القانوني البريطاني.. وذلك على مراحل تتطلب جميعها تعديل الدستور منها :
< منح تعديل الدستور عام 1967 القانون الاسترالي والولايات الأبورجينيين حق المواطنة مثل الاستراليين والترشح والتصويت في الانتخابات.
< إصدار تشريع مابو عام 1993 الذي منح الأبورجينيين حق تملك الأراضي التي يثبتون فيها علاقة روحانية مع الأرض.. وذلك بعد رفع مابو الأبورجيني دعوى في المحكمة العليا الاسترالية مطالباً بتملك أراضٍ تراثية للأبورجينيين وأصدرت المحكمة حكماً لصالحه مما أدى إلى ضرورة إصدار تشريع بهذا السأن لأن المحكمة العليا هي محكمة دستورية ويجب أن تدعم التشريعات البرلمانية لأحكامها بتعديل الدستور لأنه أبو القوانين.
< إصدار تشريع ويك عن البرلمان الفيدرالي الذي يحق فيه لكل أبورجيني يثبت وجود علاقة روحانية تراثية مع أراض تقام عليها المشاريع الصناعية والتجارية ملكية هذه الأراضي.
والآن يطالب الأبورجينيون ببعض المطالب التي يمكن تحقيقها وببعض المطالب التي من الصعب حصولهم عليها.. والاعتراف بأن سكان استراليا الأولين في الدستور هو الخطوة الأولى لإبرام اتفاقية المصالحة الوطنية .. ويمكن الموافقة عليه في استفتاء شعبي لتعديل الدستور إذ أن آخر استطلاع للرأي يفيد أن 80٪ من الاستراليين سوف يصوتون لصالح الاستفتاء.
وهناك قضية هامة وهي التركيز على تعليم الأبورجينيين من أجل توعيتهم بحقوقهم وكيفية الحصول عليها قانونياً.. وفي ذات الوقت يجب توعية الاستراليين بتاريخ الأبورجينيين وثقافاتهم وذلك فرض هذه المواد في المناهج التعليمية للمدارس إذ أن آخر استطلاع للرأي يفيد أن 30٪ من الاستراليين فقط يلمون بتاريخ الابورجينيين وثقافاتهم.