بقلم بيار سمعان
لا شك ان زيارة ترامب للسعودية واللقاءات مع قيادات عربية واسلامية تشكل منعطفاً جديداً في المنطقة، سيكون لها انعكاسات على مجريات الاحداث في الشرق الاوسط وعلى لبنان الغارق في ازمة التفاهم على قانون انتخابات يراعي مصالح الجميع. لكن يبدو ان عملية التفاهم هذه اخذت اليوم ابعاداً جديدة تتخطى بوضوح الحدود اللبنانية. لذا تبقى كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك التمديد او العودة الى قانون الستين، في حال وصل مختلف الاطراف مرة اخرى الى حائط مسدود، وهذا واقع ألفه اللبنانيون.
– ترامب يدعو الى محاربة الاسلام الاصولي
خلال اجتماعه مع القادة العرب والمسلمين وجه الرئيس الاميركي دونالد ترامب العرب والمسلمين دعوة صريحة اليهم لمحاربة «الموجة الاصولية المتطرفة التي بدأت تنتشر في المنطقة. ووصف ترامب هذه المعركة انها حرب بين الخير والشر وليست نزاعاً بين الغرب (المسيحي) والشرق (الاسلامي).
واكد ترامب انه لم يأت الى السعودية ويلتقي ما يزيد على 50 زعيم مسلم ليلقي محاضرة او يحدد طرق عيش الآخرين، ماذا يفعلون، كيف يعيشون حياتهم او يعبدون من يعبدون؟ لكنه اكد انه جاء الى السعودية ليقدم للعرب والمسلمين ـالسنة) علاقات الشراكة القائمة على المصالح والقيم المتبادلة لضمان مستقبل آمن للجميع.
وفيما عرض الرئيس الاميركي مساعدة الولايات المتحدة ومدّ يدها لدول الشرق الاوسط، تعهد انه مصمّم على مكافحة الارهاب في المنطقة.
ورحبت العائلة المالكة في السعودية بموقفه المتشدّد حيال التمدّد الايراني في المنطقة. واستهدف الملك سلمان النظام الايراني الذي وصفه برأس حربة الارهاب في المنطقة. كما اكد انه سيلاحق جميع مَن يمولون الارهاب وانه لن يتساهل مع مَن يدعمونه بشتى الطرق والوسائل القانونية والعسكرية.
واعلن الرئيس الاميركي بالمناسبة ابرام اتفاقية مع السعودية لبيع الاسلحة بقيمة 150 مليار دولار لمؤازرة النظام على مكافحة الارهاب.
وفيما ينظر الغرب ان تنظيم دولة الاسلام يمثل قاعدة للارهاب ومصدراً له، تنظر السعودية الى ايران على انها راعية الارهاب في المنطقة والداعم الاساسي له. ويدخل حسب المفهوم السعودي في هذا الاطار، تنظيم حزب الله في لبنان والنظام الحاكم في سوريا، مع العلم ان الرئيس الاميركي الذي تجنب تحديد هوية الارهاب، اعرب في اكثر من مناسبة ان ايران اصبحت تشكل خطراً على المنطقة وتهدّد امن اسرائيل والسلم العالمي.
وضمن هذه الاجواء التي تنبئ بالمزيد من التصعيد العسكري في الشرق الاوسط، اصبح لبنان مرة اخرى معنياً بالازمات المحيطة به، واتخذ قانون الانتخابات في هذه الاجواء طابعاً جديداً يتخطى مفهوم المحاصصة وتبادل المغانم وخيرات البلاد، ليصبح قانوناً يؤثر على مصير البلاد باكمله ونوع النظام فيه ومصير احدى مكوناته الاساسية، اي حزب الله والشيعة فيه.
فالقمة التي عقدت في المملكة تشكّل منعطفاً تاريخياً في حياة المنطقة وحياة ومستقبل شعوبها، خاصة بعد التبدل في سياسة الادارة الاميركية التي كانت في السابق تتعامل معها على قاعدة تحالف الاقليات في مواجهة الغالبية السنية، بينما تسعى الادارة الاميركية الحالية الى التعاون مع العالم العربي والسني بالتحديد من اجل محاصرة «الارهاب» في الشرق الاوسط وانهائه. ويدخل ضمن هذه المنظومة «الارهاب الايراني» الذي يهدّد مصير الانظمة العربية وفي طليعتها السعودية.
لذا يقوم حزب الله بتقييم مقررات ونتائج القمة العربية الاسلامية السنية مع الادارة الاميركية، ولا شك يدرس حزب الله الآن جميع الاحتمالات والخطوات المستقبلية، ومن ضمنها، اما العودة الى احضان الدولة اللبنانية والتحول الى حزب لبناني مجرّد من السلاح، او السعي الى السيطرة الكاملة على القرار اللبناني بشتى الوسائل، وقد يكون قانون الانتخابات مدخلاً له.
وتأتي هذه القمة بعد التضييق على حزب الله على اكثر من صعيد. فالعقوبات المالية والزام المصارف اللبنانية والعالمية بضرورة الالتزام بها، واضافة اسماء شخصيات متعاطفة مع حزب الله، وتصنيف القيادي في حزب الله هاشم صفي الدين على لائحة الارهاب، وقيام اسرائيل بشن غارات استباقية على مواقع حزب الله في الداخل السوري وقافلات نقل الاسلحة الى الداخل لبنان ، كل هذه التدابير هي اول الغيث لمرحلة قد تشهد المزيد من المواجهات العسكرية المباشرة.
ووضعت السعودية على لسان الجبير شروطاً واضحة للرؤية الاستراتيجية للمرحلة المقبلة عندما اعلن ان ايران اسست اكبر منظمة ارهابية، وهي حزب الله الى جانب دعمها لجماعات ارهابية مثل القاعدة وطالبان والحوثيين.. وعليها بالتالي تفكيك هذه الشبكات الارهابية قبل اي حوار معها.
فالمقصود هنا بالدرجة الاولى هو «حزب الله» والقضاء على اي خطر يمكن ان يهدّد السعودية واسرائيل. وهذا يطرح تساؤلات جديدة حول مصير حماس والجهاد الاسلامي وسائر الحركات المقاومة.
ان منطقة الشرق الاوسط تشهد الآن خلق «ناتو عربي اسلامي سني» لمواجهة المدّ الايراني في المنطقة ومكافحة تمدده فيها. اذ ان محاربة تنظيم «داعش» والقضاء على دولة الاسلام لا يتطلب صفقة اسلحة متطورة تزيد على 500 مليار دولار وقد لا تقف عند هذا الحد.
فهل جرى ضمناً الاعتراف بدولة الخلافة، على الأقل في الظروف الحالية ريثما يجري معالجة مسألة «حزب الله» والمدّ الايراني في الشرق الاوسط؟
ونظرة سريعة الى الاحداث والحروب الاخيرة في المنطقة، يمكن الاستنتاج ان اسرائيل لطالما احسنت استخدام القدرات العسكرية لدى الآخرين (غرباً وشرقاً) لحماية مصالحها ووجودها الآمن في المنطقة.
فهل دخل الشرق الاوسط مرحلة جديدة من النزاع السني الشيعي؟ وهل بدأ العدّ العكسي لحزب الله كتنظيم عسكري يمتلك قدرات هائلة تهدّد اسرائيل وامن الدول العربية؟