بقلم /  هاني الترك  O A M

يقول الملحن والمغني الكبير فريد الاطرش في اغنية «عدت يا يوم مولدي: عدت يا ايها الشقي.. ليت كان مولدي يوماً بلا غدٍ.
اولاً يجب الإشارة الهامة ان فريد ينتمي الى الديانة الدرزية التي ترتكز في معتقداتها على الايمان بعودة الروح Reincarnation.. وهذه الاغنية بالضبط تبرز حقيقة عودة الروح التي اعتقد بها على اسس علمية حيث قرأت الكثير عنها لاساتذة من جامعات معتبرة.
اما مؤلف الاغنية فهو الشاعر الكبير كامل الشناوي الذي قرأت كل اعماله وسيرة حياته في كتاب: «ساعات».. ولا اعرف وكنت اتمنى ان اعرف فيما اذا كان يعتقد بحقيقة عودة الروح ام لا.. ولكن القصيدة تجسّد كلماتها معتقد الحقيقة بعودة الروح ولا بد ان كامل قد قرأ عنها وكان يعلم بها وكتب القصيدة اما بإلهام شعوري ولا شعوري.
يقول اول بيت في القصيدة:
عدت يا يوم مولدي.. عدت يا ايها الشقي.. ضاع الحب من يدي وغزا الشيب مفرقي : يا ليت يوم مولدي كنت يوماً بلا غد.
ان حقيقة عودة الروح تتمثل باقتضاب شديد ان الانسان في حياته على الارض يعاني ويتعذب .. وساعة مولده عندما يرى نور الحياة يبكي صارخاً معلناً بدء رحلته الارضية المؤلمة.. يا ليت يوم مولده لم يأت وليس له مستقبل.. ولكن يجب التركيز على ان اختيار الروح بأن تأتي من عالم الروح للتجسّد في شكل انسان من لحم ودم هدفه التعليم والنضج واكتساب الحكمة وعمل الخير والخدمة والمساعدة وتبادل المحبة من خلال معاناته من اجل التصنيف الاعلى في عالم الروح.. ويسوع المسيح هو القائل: عند ابي منازل كثيرة..
وجوهر عالم الروح المحبة.. ولكن الانسان بعدما يلبس الجسد الارضي  لا يجد الا قليلاً جداً من المحبة.. ويسوع المسيح هو القائل: احبوا بعضكم بعضاً واحبوا اعداءكم.
وتقول كلمات الاغنية : ليت اني كنت من الأزل كنت روحاً ولم ازل..  ليتني  لم اعش هذه الحياة .. عشت فيها ولم ازل جاهلاً انها حياة: فإن الروح ازلية في عالم الروح وهي ليست ذكراً او انثى ولكن تختار الجسد الذي تلبسه على الارض..  ولكن حينما تنتهي حياة الانسان على الارض تعود لعالم الروح الابدي. واذا ارادت العودة لاكتساب الخبرة والتعليم فإن في امكانها العودة.. والانسان في حياة الارض لا يعرف ان روحه  قد تقمصت الجسد وكما تقول الأغنية: لم ازل جاهلاً  انها حياة .. ولكن تنكشف هذه الحقيقة بعدة طرق اهمها التنويم المغناطيسي على ايدي بروفسور طبيب او مختص مهني آخر.. حيث يسرد الشخص حياته الماضية على الارض.. وطبيعة وجوده في عالم الروح.. وهناك ادلة مثبتة وبراهين  عليها اكاديمية قرأت العديد منها لاساتذة جامعيين  منهجهم البحث العلمي.
ومن اجمل ما في الأغنية من حيث الكلمات والتلحين والموسيقى هو نهايتها:
«انا عمر بلا شباب.. وحياة بلا ربيع
اشتري الحب بالعذاب.. اشتري فمن يبيع
انا وهم.. انا سراب.
وهذه الكلمات الرائعة المعبرة عن العذاب من وجود الانسان على الارض هي قمة في الابداع الشعري .. لأن الانسان في ثوبه الجسدي على الارض لا بد ان يعاني ويتعذب.. والعذاب الوان.. ولا احد مرتاح في الجسد الارضي سواء أكان غنياً او فقيراً.. سليماً ام مريضاً.. حاكماً ام محكوماً.. وسعادة الانسان على الارض نسبية.. وليست دائمة اثناء وجوده الارضي.. لأن السعادة المطلقة هي في عالم الروح.. وبالطبع فإن المعاناة ليست هي الهدف.. ولكن الإنسان يعاني من اجل التعليم واكتساب الحكمة.. للولوج الى عالم الروح حيث هناك السلام والمحبة والمتعة والهدوء والسكينة.. فعندما يولد الرضيع ويرى نور الحياة يبكي ونحن نضحك وعندما يموت يضحك ونحن نبكي. ويصبح المنتقل من على الارض سراباً.
هذه الاغنية اتذوقها واحب الاستماع اليها دائماً .. فهي قمة ما انتجه الفن العربي من واقعية الكلمات..وسحر الالحان.. والآداء.. استمعوا لها.