كندة سمارة – ملبورن
فقط بضعة أيام تفصلنا عن تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ليستلم مهامه بشكل رسمي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. ومع أن وصول ترامب قد تسبب بصدمة لدى الغالبية على اعتبار انه لم يختبر المعترك السياسي قبلاً، إلا أن نجاحه في الوصول كان باستخدامه أدوات ما يسمى بالشعبوية ?Populists?.
هذا المصطلح الذي ظهر حديثاً، وهو ?يعني ظواهر في غاية الاختلاف،? كما أنه ?لا يستخدم للتوضيح بقدر ما يستخدم للتنديد?. حيث استطاع ترامب عبر الشعبوية من ملامسة مخاوف الطبقة الوسطى البيضاء، رافعاً شعار ?دعونا نستعيد أمريكا.? موجهاً رسالة واضحة لجميع الغاضبين يدعوهم فيها بالعودة إلى الماضي لاسترجاع تاريخ أمريكا العظيم… العودة في المجتمع لبنائه الطبقي، والاجتماعي، والاقتصادي الذي سيعيد لأمريكا قوتها التي خسرتها بعد اعتمادها مفاهيم حديثة، من تكافل اجتماعي واقتصادي، ومساواة عرقية ونسوية، واحترام حقوق الأقليات وحرياتهم.
الملفت في الأمر بأن ترامب ليس السياسي الشعبوي الوحيد، فالظاهرة الشعبوية قد سبقت بالظهور في أوروبا. فالتصويت لبريكزيت، والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، أيضاً هو ظاهرة شعبوية اعتمدت في مسيرتها على خوف البعض، وذلك كله للتصويت لبريكزيت عبر استخدام ورقة العودة إلى الماضي، مستخدمة نفس المسميات: أقليات، مهاجرين، بيروقراطية ورأسمالية.
هذه الظاهرة تنطبق على التيارات الصاعدة المتشددة في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من اختلاف أدوات شعبوبيتها عن الغربية، باعتمادها على الهوية الدينية المتطرفة، بينما اعتمدت الأخرى على الهوية الوطنية القومية، إلا أنهما يتشابهان بدعواتهما في العودة إلى الماضي المفقود، ورفض كل جديد… العودة إلى الماضي هو ما يميز مفهوم الشعبوية المعاصرة، سواء كانت تحت مفهوم قومي أو ديني. ولا يوجد أي فرق بين المتشددين دينياً تحت العباءة الإسلامية في الشرق، والشعبوية تحت العباءة القومية والعنصرية في الغرب. وعلى الرغم من الفارق في تشكل كل منهما، فإحداهما ربما قد استمدت ظهورها من الأخرى، إلا أنهما اجتمعتا في دعوات الكراهية، والتشدد، والعودة إلى الماضي.
هذه الشعبوية، وبحسب ما يبدو، في طريقها إلى أن تحكم العالم، خصوصاً بعدما فشلت الطبقات المثقفة والليبرالية في الغرب والشرق من التصدي لها. كلنا أمل أن تدرك الطبقات المثقفة حجم خسارتها لقيادة المجتمع، فتعيد النظر بخطابها الموجّه، وخاصة مع الطبقات المؤثرة ذات النفوذ السياسي والاقتصادي، علّها تستعيد دورها القيادي الذي فقدته، وإلا فإننا حتماً مقبلون على عالم غوغائي ليصبح رز بالشعبوية.