ينكب حاخاميون في الدولة الاسرائيلية كما في الخارج على فهم دور الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب من خلال القراءات التوراتية.
ويرى حاخاميون متخصصون في تفسير الاحداث السياسية انطلاقاً من القراءات الدينية ان دونالد ترامب قد يكون الزعيم الذي تنبأ الأدب التوراتي عنه، وهو الذي سيجمع المسيحيين ضد «ابناء اسماعيل» قبل مجيء المسيح (؟).
فقد القى الحاخام زمير كوهين محاضرة حول هذا الموضوع الاسبوع الماضي، وبنى تكهناته على نبوءات واقوال توراتية مشيراً الى تنبؤات للحاخام مائير بن يحيى وايزر عاش في القرن التاسع عشر واشتهر باسم «مالبين».
كتب مالبين انه قبل مجيء المسيح سوف يقسم العالم الى مجموعتين: ابناء اسماعيل (المسلمون) (Bnei Yishmael) وابناء أدوم Bnei Edom المسيحيون. وحسب نبوءة مالبين سوف يتحد ابناء اسماعيل فيما يلتزم المسيحيون الهدوء وحتى اللامبالاة على الرغم من التهديدات الواضحة الموجهة ضدهم.
وتتابع النبوءة ان زعيماً سياسياً يظهر فجأة، يجمع المسيحيين ويقول : كفى !! لقد سئمنا من الاسلام المتطرف. ويشرح الحاخام كوهين: سيكون موقفه غير مسبوق، شيء لم يألفه العالم زعيم سياسي يعلن على الملأ انه ضاق ذرعاً بتجاوزات بعض المسلمين وانه غير خائف ان يواجه تحدياتهم وان الوقت قد حان لمعاقبتهم.
ويتساءل الحاخام الارثوذكسي كوهين زمير: هل يكون الرئيس المنتخب ترامب هو الزعيم الذي تتحدث عنه النبوءات؟ فأقواله واسلوبه الخطابي وآراؤه وردود فعل الناس على ما يقول.. كل الدلائل تشير الى انه هو الشخص المعني، حسب اعتقاد الحاخام كوهين.
ويستشهد بنص من الأمثال ليتساءل اذا كانت مجريات الامور مع الزعيم المنتخب ترامب ستكون لصالح دولة اسرائيل؟ «قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يُميله» امثال 21/1. ويشرح الحاخام كوهين هذه الآية ان القائد المعني يسترشد تصرفاته من الله وحده. فهو مصدر إلهامه.
ويتابع قائلاً: كان لترامب حرية الاختيار حتى انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. اما الآن وبعد انتخابه فلم يعد لديه حرية الاختيار، خاصة فيما يتعلق بحكم الأمة وفي كيفية تحديد علاقته باسرائيل. وان كل التعهدات التي اطلقها ترامب حتى الآن فانه يعني كل كلمة وردت فيها. لكن تنفيذ هذه التعهدات، فالمسألة لم تعد بيده من الآن وصاعداً.
ويتابع قائلاً: انه كقائد لاميركا فان جميع قراراته هي بيد الله في آخر المطاف وتقرر وفقاً لاعمالنا. واستند في تحليله هذا على آية من المزامير: «اعطوا عزاً لله. على اسرائيل جلاله وقوته في الغمام. مخوف انت يا الله من مقادسك. إله اسرائيل هو المعطي قوة وشدة…» مزمور 68/34 – 35.
واكد الحاخام كوهين ان الاحداث في العالم العربي والاسلامي تنسجم مع نبوءة مالبين: سنرى اليوم ان العالم الاسلامي يتجه اكثر فأكثر نحو التطرف… انهم يعودون الي الماضي الى عصر انطلاق الاسلام (الخلافة). نرى قطع الرؤوس واعمال اخرى مماثلة هي اقرب الى الجنون. وانه امر غير مسبوق اننا اصبحنا نعاين مثل هذه الممارسات في ايامنا هذه. اقاموا دولة تطمح للاستيلاء على العالم الاسلامي كله ودعوها دولة الاسلام.
وربط ما يحدث من اعمال عنف وتطرف انها تحقيق لنبوءة أشعيا: «واصبح مصريين على مصريين، فيحارب كل واحد اخاه وكل واحد صاحبه، مدينة مدينة، ومملكة مملكة». أشعيا 19/2.
وعلق الحاخام كوهين ان ما يحدث في الدول الاسلامية هو مطابق للنبوءة ما عدا بعض الهجمات الارهابية التي وقعت في دول غربية. وتقتصر أشرس جهود الاسلاميين المتطرفين على النزاعات بين الدول الاسلامية نفسها. فالارهاب الاسلامي في اوروبا والولايات المتحدة قد تضاءل نسبياً على حد قوله، بالمقارنة على ما يزيد على 300 الف سوري قتلوا حتى الآن نتيجة للحرب الاهلية. والقوات العراقية تكافح جاهدة لاستعادة الموصل من دولة الاسلام.
وتعليقاً على هذه الاحداث قال الحاخام يوسف برجيه، حاخام قبر الملك داوود في جبل صهيون ان الاحداث السياسية غير المنطقية، انها تطورات ضرورية ومؤشرات لمجيء المسيح المنتظر. وقال عندما تعكس التطورات السياسية ما هو مكتوب في التوراة، يكون ذلك دليلاً قاطعاً انه اقترب مجيء المسيح المخلص. وعلّق قائلاً: لا تتبع هذه التطورات المنطق. فالعرب يقولون انهم يريدون تدمير اسرائيل. لكن ما يقومون به فعلاً هو الحاق الأذية بعضهم ببعض.. ذلك لأن الله هو من يوجه الاحداث.
وختم الحاخام كوهين محاضرته بكلمة نُصح حول كيفية التأثير بمجرى الاحداث والضغط على قرارات الملوك. فقال : «ان الله يوجه قرارات القادة حسب اعمالنا. فاذا حفظنا الوصايا وخضعنا لارادته تمكن عندئذ من توجيه رؤساء العالم ليتخذوا قراراً وينفذوا اعمالاً تتلاءم مع مصالحنا.
هذا هو باختصار المناخ السياسي الذي رافق فوز الرئس الاميركي ترامب، وهذا ما يروج له بعض الفقهاء اليهود.
< بين النبوءة والسياسة!!
قد تبدو هذه النبوءة غير متماسكة في مضمونها التوراتي لكنها صريحة في مضمونها السياسي. فاذا ربطنا الرسالة التي يتحدث عنها الحاخام كوهين بما يجري وما يخطط له، فتصبح عندئذ هذه النبوءة شديدة الخطورة خاصة على بلدان الشرق الاوسط.
نحن ندرك المطامع الصهيونية في الاراضي والخيرات العربية. ومنذ منتصف القرن 19 تحدّث وايزمن عن ضرورة اقامة المملكة الداوودية التي تمتد من النيل الى الفرات.
كما ان الادب السياسي الصهيوني هو غني بالافكار التوسعية والوعود بضرورة اقامة هذه المملكة كمقدمة لمجيء المسيح المنتظر والذي لا يزال اليهود ينتظرون مجيئة ليصبح ملكاً على جميع ممالك الارض، وتصبح اورشليم مدينة دين العالم وعاصمة حكم العالم.
الحقيقة الاخرى التي يجب ان نتذكرها هو ان اسرائيل نجحت منذ عقود بمحاربة اعدائها بواسطة اصدقائها واستولت على قسم لا يستهان به ن ثروات العرب والمسلمين بواسطة شركات دولية. فاسرائيل شنت حرباً على افغانستان بواسطة قوات الحلفاء وكذلك فعلت مع العراق بعد ان طالبت بمعاقبة صدام حسين الذي تجرأ واطلق صواريخ باتجاهها، كما يطالب باستعادة قبور الانبياء في العراق وهي من مخلفات السبي الى بابل. وبالنسبة للفكر الصهيوني، فان كل ارض تطأها اقدام «الشعب المختار» هي ملك لهذا الشعب حسب فهمهم للمعاهدة القديمة بين الله وابراهيم.
ويجب ان نتذكر ان موجة من الشكوك والتساؤلات بدأت تتفاقم بين الشعب اليهودي بعد ان طال مجيء المسيح الموعود. ويشاع ان اسياد الصهاينة حددوا موعداً لمجيء «المشيا» اي المسيح وهي خلال المدة ما بين نهاية القرن العشرين ومطلع القرن 21. اي اننا حسب اهداف هذه الخطة ننتظر اليوم مجيء «المسيح الموعود»، فيما ينتظر آخرون «عودة المهدي» ويسعى قسم آخر الى اعادة بناء «الخلافة» وفرض الشريعة الاسلامية على العالم.
بالنسبة للفكر الصهيوني، الغاية تبرر الوسيلة. وكما بشر بريجينسكي عندما اعلن انه من الأسهل قتل 500 مليون شخص يصعب التحكم بهم ان كانوا على قيد الحياة.
للأسف الشديد، بالنسبة للفكر الصهيوني ان غير اليهود هم كالمواشي لا مانع من التحكم بهم او القضاء عليهم. لذا يوجد الآن تنظيم دولة الاسلام الذي يبيح دم الناس في المنطقة من مسلمين وغير مسلمين. ولم يعد احد يشك ان هذا التنظيم هو من انتاج الـ CIA والموساد تدعمه انظمة عربية متحالفة مع اسرائيل بحجة مواجهة النظام العلوي في سوريا والمد الشيعي في العالم العربي «السني» بأغلبيته. انها سياسة اللعب على التناقضات العرقية والدينية والمذهبية. والعالم العربي يبايع بسهولة ويقتل باسم الله ولا يفكر باليوم التالي. هكذا هلّل المسلمون العرب للخميني عندما اعلن قيام الجمهورية الاسلامية ثم انقلبوا ضده وشنوا حرباً عليه.
وهكذا يفرح بعض المسلمين بانطلاق دولة الخلاف التي ستحقق بنظرهم احلام الأمة الاسلامية، وهم لا يريدون قبول احتمال ان تكون هذه الدولة من صنع المخابرات وتسعى الى نشر القتل والخراب، وتوسيع الخلافات الدموية بين مكونات العالم العربي والاسلامي في الشرق الاوسط. وما يرافق ذلك من افلام وصور لنحر الرقاب والاغتصاب وبيع النساء والاستيلاء على املاك الآخرين. فالمقصود من وراء ذلك زرع الرعب في العالم الغربي «المسيحي» وتعميم مشاعر القلق وتعميق الكراهية…
لقد تم كل شيء واعدت الارضية الخصبة لاشعال حرب الأديان.. لهذا كان لا بد من اختيار شخص يمتلك مواصفات دونالد ترامب ليقود عملية توحيد العالم المسيحي في مواجهة التطرف الاسلامي.
اليوم تمنح النبوءة اليهودية «الصفة الإلهية» لزعامة ترامب، كما منح آخرون صفة الإلهية على السلاح والنصر والقتال . لكل هذه العوامل يأخذ انتخاب ترامب معانٍ تتخطى الحدود الاميركية ولهذه الاسباب لا يبالي ترامب بالاتفاقات والمعاهدات الدولية والتفاهمات الاميركية الدولية، لأنه مقتنع ان مهمته الآن تقتصر على اشعال حرب مدمرة بين العالم الاسلامي والعالم المسيحي بغية دمار الاثنين واقامة دين عالمي واحد ونظام سياسي واحد وفرض «المسيح الدجال» على انه المسيح المنتظر.
من هنا تأخذ هذه النبوءة ابعاداً خطرة اذا ما ربطنا معانيها بما يخطط من احداث وحروب سيجري اشعالها في العالم.
هنري كيسنجر تطرق الى مصير الشرق الاوسط بشكل مباشر عندما بشر بالقضاء على الاسلام واصحاب اللحى ثم الانقضاض على روسيا والصين داعياً اسرائيل الى تدمير دول الجوار واعلان سيطرتها على العالم.
بين المسيح المنتظر وعودة المهدي الموعود وبانتظار عودة المسيح الديان سوف تسفك دماء كثيرة في العالم.