عياد يسى
نجد قصة ولادة العذراء في المخطوطات القديمة التي كُتبت في بداية القرن الثاني (انجيل يعقوب). كان والديّ العذراء يواكيم و حنة من نسل الملك داود مؤمنين و محافظين على الناموس، و لم يكن لهما من أولاد. فلم تنفعهما الصلاة و الصوم و الدموع من ما اعتـُبر في ذاك المحيط «لعنة «. لأن عدم إنجاب الأولاد عنى بأن الزوجين غير مستحقين و ليس لهما من أمل في إنجاب المخلص. دخل يواكيم يوماً إلى الهيكل ليقوم بخدمته و يقدّم قرابينه للسيد: و ما إن دخل الهيكل، طرده رئيس الكهنة متلفظاً ضده بعبارات نابية لأن ليس له من وريث. حزن جداً لسماعه مثل هذه التعابير، توجه إلى الصحراء ليخفي عيوبه. في غربته، فتح قلبه البائس للرب، بينما كانت زوجته حنة بنفس الوقت تصلي في حديقة بيتها للرب، متضرعة: «انظر أيها الرب بشفقة من سمائك على عبدتك و ترأف على عيبها. بماذا أقارن نفسي أيها الرب؟ أبطيور السماء؟ كلا. إنهم أفضل مني. لقد وهبتهم ورثة و ليس لدي من وريث. أاقارن نفسي بحيوانات البرية؟ كلا! إنهم أسعد مني بكثير. لقد باركتهم بورثة، و ليس لدي من وريث. أاقارن نفسي بسمك البحر؟ كلا! لأن عندهم أسماك تسبح حولهم و أما أنا فلا من طفل أحبه و أربيه.
بينما كان يواكيم يصلي في الصحراء و حنة في حديقة بيتها، ظهر لهما ملاك الرب، و بنفس الوقت، و أعلمهما بأن حنة ستحبل بابنة و سيكون لها قدراً مهماً. في الوقت المعين أنجبت حنة ابنة و سموها ماري. اهتمّ بها الوالدان اهتماماً كبيراً حتى سن الثلاث سنوات عندما قدموها للهيكل. بعد سنوات ظهر الملاك لماري، فحياها بالقول: « إفرحي يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك. ستكونين الإناء المنتخب و المقدس الذي به سيأتي الماسيا». تقول طروبارية الغروب : «يا من ولدت مخلص نفوسنا «.
لقد حدّدت الكنيسة بواسطة المجامع المسكونية تعليمها عن أم الله. ففي دستور الرسل نجد العقيدة عن ولادتها البتولية، أمومة عذرية، و بقائها عذراء أبدياً. أما مجمع أفسس المسكوني سنة 431 فقد حدد
« أمومتها الالهية «.
للعذراء مريم منذ العهد الرسولي مكانة خاصة في الكنيسة الأورثوذكسية. فدُعيت شافية المرضى، الوسيط عند ابنها، ألخ…
تـُقارن مريم بحواء. لقد خسرنا الفردوس بحواء، و بواسطة العذراء مريم عدنا فربحناه. «خطيئة امرأة سببت خسارة النعمة، و نعمة امرأة أخرى جلبت لنا الخلاص» كتب أحد آباء الكنيسة.
لقد حُلـَّت عقدة عدم طاعة حواء بطاعة مريم. العقدة التي سببتها حواء بعدم طاعتها، حلتها العذراء مريم بطاعتها.( القديس إيرنايوس). صوّرالآباء العذراء مريم بصورة من فتح لنا باب الفردوس.
« أيتها السيدة، يا من فتحت لنا باب النعمة، و من فتح باب الفردوس للمؤمنين، إفتحي لي باب التوبة و احفظيني من أبواب الموت».
ففي أوقات الخوف و الصعوبات، يمكن للمؤمن أن يصلي إلى مريم، و يدعوها فتتضرع إلى ابنها من أجله. و ستحصل بدون أي شك على مساعدتها إذا ما سرنا على طريقها و تشبهنا بتواضعها. هل عرفت لماذا يحفظ الأورثوذكس مكاناً خاصاً في حياتهم و كنائسهم للعذراء؟
هل تتصوروا حسن حظنا لأن عندنا عذراء، أما للإله، يمكننا في صعوباتنا أن نلتجئ إليها؟ لقد سبَّبّت وحدة بين السماوي و الأرضي. ساعدت كثيراً في حياتها و بعد انتقالها إلى أخدار ابنها في توثيق العلاقة بين ابنها و خليقته.
فلنصلي بمناسبة عيد دخولها إلى الهيكل لينيّر الله عقولنا لنرى بواسطها ابنها الذي يمنح الخلاص. تذكر الأم التي وقفت عند صليب ابنها تتأمل بدموع الآمه، و لم تكن تتأمل في جراحات ابنها بل بخلاصه للبشرية. تقرّب من العذراء بتواضع و صدق و محبة و قلب متخشع و بدورها ستصلي من أجلك إلى ابنها.
لا شيء في الحياة يسرّ قلب مريم أكثر من رؤيتها أبناءها الروحيين يخصصون حياتهم لإبنها ربهم و مخلصهم. فكما حملته في أحشائها و بدون خطيئة، كذلك نحن أيضاً سيدخل إلى قلوبنا و يُطهرها و يؤهلها لملكوته.
آميـــن