عياد يسى

في منتصف إحدى الليالي قمت مفزوعاً على رنين التلفون، وكان على الطرف الآخر احد الأصدقاء يعتذر عن مكالمته المتأخرة هذه، وقال أريد ان أضع نهاية لقلقي وترددي.. فأجبته وانا بين النوم واليقظة، ماذا حدث؟؟ فأسرع قائلاً هل لك ان تذهب معي غداً لإعادة زوجتي من بيت أهلها لنبدأ حياة جديدة مرة أخرى؟ فأجبته مشجعاً هذا خير ما تفعله.. ولكن حب الفضول دفعني لأسأله عن سبب هذا التغيير المفاجئ، لأني كثيراً ما كنت أطلب منه ذلك، ولكنه كان مصراً على موقفه منها، بل كان يسعى في طلب الانفصال الكامل عنها. أجابني قائلاً.. ساقتني الاقدار صباح اليوم الى الكنيسة ومن فم الاب الكاهن شاهداً عليها. والقصة حدثت لواحدة من بنات الكنيسة، فبعد حوالي خمسة سنوات من زواجها بعد قصة حب قصيرة وعميقة، أخذت تنتاب زوجها نوبات صداع خفيف، ارتفع الى صداع حاد ثم الى نوبات من الهياج الهيستيري كان خلالها يضرب ويكسر كل ما هو أمامه وحوله.
لم تكن امامه وحوله إلا زوجته المسكينة التي شربت المر اشكالاً وألواناً، حتى انه كاد ان يقتلها في نوبة من نوبات ذلك المرض. فشل الطب في علاجه وفقد وظيفته فإزداد العبء على الزوجة ولما زاد الامر سوءً طلب منها الاهل والاصدقاء ان تبتعد عنه حفاظاً على حياتها.
كانت دائماً تردد عليهم من خلال دموعها المحبوسة: لم يعد هناك شيء يساوي ان يتعذب الانسان من اجل انسان يحبه، ان مكاني بجانبه ولن أتخلى عنه، فهذا عهد بيني وبينه امام المذبح الإلهي يوم زواجنا وسوف أبقى معه حتى النهاية مهما تغيرت الظروف، فكما ان محبة المسيح لا تتغير من ناحيتنا كذلك يجب ان لا تتغير محبتي من ناحيته، فالزواج الموّفق لا يأتي بالصدفة بل بالتضحية والجهد المتواصل من الطرفين، لقد اتخذته زوجاً امام الهيكل ولن يفصلني عنه الا وانا جثة هامدة يصلي عليها الكاهن امام الهيكل ايضاً.
كان لابد لها ان تتجه الى الله، فإنها كانت متيقنة ان محنتها امتحان منه وان شيئاً في داخلها ومن اعماقها يؤكد لها ان زوجها سيعود الى حالته الطبيعية، فلجأت الى الحكمة لأنها تعلم ان الظلام لا يقوى على الحكمة فكانت مواظبة على الصلاة والصوم لأنها الطريق الى المعجزات. كانت تبكي وتبكي ووجدت في الصلاة والصوم والدموع تخفيفاً لتوترها.
أخيراً إلتفت الله الى معونتها وتحنن عليها وتحققت المعجزة وتماثل الزوج الى الشفاء. وعلم بكل ما فعلته زوجته معه رغم كل ما كان يفعله معها وشكر الله وشكرها.
استطرد صديقي قائلاً بعد سماعي لهذه القصة.. وجدت ان ما بيني وبين زوجتي من مشاكل لا يساوي شيئاً امام ما لاقته تلك الزوجة المؤمنة، وشعرت انه رغم خلافاتنا الكثيرة فهناك نقاط كثيرة نلتقي عندها.
في الموعد ذهبت معه باسطين أيدينا للسلام ولكن المفاجأة ان زوجته رفضت العودة إليه.. وما زلنا في مساعينا لتدخل الكاهن.