وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»
يجتهد الكائن البشري لتحقيق التوازن الطبيعي في منظومته الإنسانية ، في حياته الخاصة والعامة معا ، فالانسان أمهر الكائنات قدرة على تمثّل وهضم وتمثيل الحياة بأدوارها المختلفة .
البعض يحفر في آبار روحه بالابرة ليخرج منها قطرة ماء كي يكتب نص الحياة الباذخة ، وهناك أرواح خربة تلبط في طين آسن .
…….
فكرة الوجود فكرة انسانية محضة وبامتياز ، لان الوجود حجة الإنسان على نفسه ، وليس العكس ، الوجود سؤال صامت ، والطبيعة بكر، الإنسان هو من يكتب على سبورة الوجود هواجسه و يفضّ بكارة الطبيعة بجمال التناسق والتوافق ، الوجود ليس تمام الانسان ، ولا نقص الطبيعة ، هو سؤال قائم على قلق الكائن ونمو المخيلة .
…………
تجترح المرايا حلولا مبتكرة في فحص الذات، وسؤال المرايا على درجات ، مرايا للعابر ، ومرايا للقاعد ، ومرايا للسابح ، ومرايا للعاشق ، ومرايا للطائر ، ومرايا لليقين ، وأخرى للشك ، ومرايا للسؤال وثانية للعبودية ، مرايا عالية الهمة ، شاشات عملاقة لتقعّر الكائن وتحدبه ، المرايا صدى والارواح اصوات غائرة في عمقها وغيها معا
…………
بين الذات والآخر ثمة أواصر خفية ، تعتمد على طبيعة العلاقة ونوع النضج المتبادل ، الروح مبطنة ببوحها والمرايا سافرة ، فمن يذهب لامتحان ذاته في مسرح عام ، ومن يمضي بقناعه في حفلة تنكرية ؟؟
الأرواح سليلة السؤال تمضي الى الينابيع ، بينما تبرق الأرواح الخربة رسائلها الغريبة في عمق صفاء الماء والرؤيا ، مراهنة على دهان المرايا بالآسن من القناعة .
…………
المرايا والذات نافذتان للبوح ، كما السكر والجنون ، فإن كانت المرايا أكبر من الرؤيا ، والطين يتحجر على النوافذ، والاسماء صامتة بلا حياة ، فلا مآل لك في هذه البحيرة الميتة .
وان حملتَ صنارة السؤال وصفعت حشود الهتاف ، وحناجر القبول ، فسوف تواجه سيولا وطوفانات ، ومقاصل وسيوف ، وصليبك سيكون خشبة للقلق .
كيف تقذف ذاتك من زحمة المرايا كحيمن نشيط ؟؟
وكيف تتناسل على الشاشات العملاقة كسؤال؟
…………
في مسرح الحياة ، الجميع يرتدون الأقنعة، والمرايا محض صدى ، ولكن المحنة في تقعّر الكائن وتحدّبه ، في وجوده طائرا أم غائرا ، في محوه او اثباته ، في السؤال أم الجواب ؟
الذات لا تعمل كينوتها إلا بوحشة المرايا وسؤال الضمير ، بباعث داخلي نفسي مرتبط بحديقة الروح وتشذيب العقل .
المرايا مادة للغرور ، للإنتفاخ ، لنمو الزوائد لزراعة الحشود في الحناجر ، لأكسدة الكلام ، لصدأ الجواب .
…………
الكائن البشري موكول بتحقيق التوازن في الطبيعة بدءاً من استخدامه لحصته من الأوكسجين المخصص له ، ولا تنتهي بتذوقه الجمال أو نفوره .
الأرواح الكبيرة ، سليلة الينابيع العذبة لا ترتهن لمزاج العدسات في التقعر والتحدب، لنشر غسيلها نديا على الشاشات العملاقة ، ولا ترتهن لطلاء المرايا في انتفاخ الذوات، الأرواح الكبيرة ليست مطيّة النزوات ، ولا لأمزجة يعكرها طين الفطرة والسؤال معا ، الأرواح الكبيرة هي التي تستطيع السباحة بالمياة المالحة دون أن تفقد عذوبتها ، تستطيع الغناء في الحفلات الصاخبة دون أن تفقد حنجرتها ،.وبوصلتها
…………
المرايا محض شرك وشباك ، ينصبها الماكرون ، يتلذذ بطرائدها الواهمون ، ويصاب بعسر الهضم منها الحالمون ،.الذوات الفاعلة غير معنية بهذا الركام ، ركام المرايا والحشود والعدسات والتقعر والتحدب وسواها ، الارواح الكبيرة معنية جدا بالبحث عن الهارموني الانساني ، معنية جدا بلمّ نثار الزجاج المتهشم في حريق الخلاف بين المرايا والعدسات ، بين البداية والنهاية ، بين الطلاء والأصل.
…………
الكائن البشري المعاق روحيا ، والمعاق جماليا، والمنهزم من الداخل ، لا يمكن ان يكون إلا صدىًّ باهتا وأصفر لمرايا مصابة بداء الضباب ،
فلا يتحقق في المرايا غير اوهام متورمة لذوات منتفخة .
…………
الأرواح البيضاء موكولة بالطيران في آفاق الجمال والمحبة والسلام ، غير قابلة للتدجين والأسر في شكل ما ، والمرايا قبور الذوات الهرمة ، والأرواح المنخورة وسر عمائها الأزلي
…………