Peirre Samaan2بقلم بيار سمعان

في 7 ايلول من سنة 2001 قررت الأمم المتحدة اعتماد نهار 21 ايلول سبتمبر «يوماً عالمياً للسلام». وبالمناسبة قررت ان اسلّط الاضواء على اوضاع السلام في العالم واتساءل مع القراء: «هل يعيش العالم اليوم في سلام»؟؟

كشفت دراسة اعدها مؤخراً المركز الدولي للاقتصاد والسلام ان 11 دولة من اصل 162 شملتها الدراسة هي غير مشاركة في اي صراع خارجي او نزاع داخلي. كما اظهرت الدراسة انه منذ سنة 2007 حتى ايامنا هذه يصبح العالم يوماً بعد يوم اقل أماناً واكثر عنفاً وأشد اكتئاباً وقلقاً.
وحلّت آيسلاندا في طليعة الدول الأكثر سلاماً وللمرة الثالثة على التوالي نظراً للاستقرار الداخلي وعدم مشاركتها في اية نزاعات خارجية. وتلتها الدانمارك ثم نيوزلندا. وشملت القائمة اسماء الدول التي لا تشهد الآن نزاعات داخلية او تشارك قواتها في حروب خارجية وهي بوزوانا، تشيلي، كوستاريكا، اليابان، باناما، قطر، سويسرا، اورغواي وفيتنام.
ويشكّك البعض ان قطر هي ضمن مجموعة الدول الآمنة بسبب دورها في سوريا ودعمها للحركات الثورية في المنطقة. وهناك دول لا تشارك في حروب ونزاعات خارجية، مثل كوريا الشمالية، غير انها تعيش حالة من الانقسام الداخلي يسيطر عليها نظام قمعي يرفع من معدلات القلق لدى المواطنين.
وكشف التقرير ان تفاقم النزاع وارتفاع حدة المعارك في الشرق الاوسط وعدم وجود حل لازمة اللاجئين التي اصبحت تشكل مصدر قلق لدول الجوار واوروبا وارتفاع عدد القتلى الناجم عن اعمال ارهابية عشوائية، كل هذه العوامل ساهمت خلال 2016 بتحويل العالم الى مكان غير آمن بالمقارنة مع ما كانت عليه في سنة 2014.
– قائمة الصراعات المسلحة.
يقصد بالصراعات المسلحة استخدام القوات المسلحة بين فريقين متنازعين او اكثر او بين مجوعات مسلحة ذات طابع حكومي او غير حكومي. وهو نزاع داخل دول ما او نزاع يشارك فيه اطراف خارجية ضمن احدى الدول، وقد تكون القوات المشاركة غير نظامية احياناً. ويندرج تحت هذا التوصيف الثورات الاهلية والنزاعات المسلحة وردود الفعل من قبل القوى النظامية التي تسعى الى قمع اي تحرّك شعبي بحجة حماية النظام.
وان كل اعمال القتل الناتج عن هذه النزاعات والمتسبّب لنزوح مجموعات سكانية وفرض المجاعة وافتعال الأوبئة وتعطيل الخدمات الحيوية ونمط الحياة الاعتيادية.. كل هذه النتائج تدفع لتوصيف بلد يعاني من مثل هذه الاعمال انه بلد غير مستقر.
وما يلي لائحة بأسماء الدول التي وقع فيها 10 آلاف قتيل وما فوق.
– سوريا: بدأت فيها الاحداث الدموية في سنة 2011 – يقدّر عدد الضحايا القتل حتى اليوم حوالي 470 الف قتيل.
– العراق « شهدت العراق نزاعات متتالية. اولاً، الحرب مع ايران ثم حرب الخليج الاولى تلاها الاجتياح الاميركي ثم الحرب الاهلية بعد الانسحاب الاميركي ووقع منذ الحرب الايرانية العراقية 1980 حتى اليوم ما يزيد على مليون قتيل وتسبّبت الاوضاع المضطربة بنزوج مجموعات سكانية خارج البلاد او انتقالها الى اماكن اكثر أماناً. ومع «داعش» خسرت العراق وسوريا بعض اراضيهما لصالح دولة الاسلام.
– افغانستان: على اثر اتهام الادارة الاميركية لـ بن لادن والقاعدة التي اتخذت افغانستان مركز انطلاق لعملياتها الارهابية، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها بغطاء من الأمم المتحدة، غارات على افغانستان. واحتلت هذه القوات معظم المناطق التي توزعتها فيما بينها. ولا تزال هناك قوات اميركية رغم انسحاب سائر البلدان.
وتجدر الاشارة ان النزاعات الدموية في افغانستان بدأت في سنة 1987 ولم تنته بعد – وبلغ عدد الضحايا منذ اندلاع النزاعات على ارضها ما يزيد على مليون ونصف شخص.
– «بوكو حرام» يهاجم دولاً افريقية – منذ سنة 2009 يقوم تنظيم بوكو حرام الارهابي والمدعوم من القاعدة بمهاجمة مواقع في نيجيريا والكامرون والنيجر وتشاد. وبلغ عدد ضحايا هذه الهجمات حتى اليوم ما يزيد على 21،400 قتيلاً.
اما البلدان التي وقعت فيها بين الف وعشرة آلاف ضحية، فهي التالية:
– النزاع التركي الكردي. بدأ في سنة 1984 عدد الضحايا في سنة 2016 يزيد على 2481 . مجموع عدد القتلى منذ بداية النزاع 45 الف قتيل.
– الثورة الاهلية في الصومال اندلعت سنة 1991 مسرح الثورة هو الصومال وكينيا. وقع في سنة 2016 حوالي 2،020 قتيلاً و4400 في سنة 2015 مجموع الضحايا نصف مليون تقريباً.
ويمكن ذكر: الثورة المكسيكية على عصابات المخدرات  (160 الف قتيل)، احداث الباكستان (60 الف قتيل) الثورة الليبية (2011) مجموع الضحايا جاوز 14 الف شخص، اليمن التي تشهد نزاعاً مذهبياً تشارك فيه السعودية. حصد هذا النزاع سنة 2016 حوالي 550 قتيلاً وما يزيد على 6500 في سنة 2015. اما مجموع عدد القتلى منذ اندلاع النزاع فيزيد على 11 الف قتيل. ويدخل ضمن هذه المجموعة ايضاً الاضطرابات في جنوب السودان (50،350 قتيلاً) منذ سنة 2011، واحداث اوكرانيا (2014) مع حوالي 10 آلاف قتيل بين طرفي النزاع.
اما المجموعة الثالثة فتضم دولاً وقعت فيها خسائر بشرية بين مئة والف قتيل. واذكر منها احداث الكشمير وماينمار وجنوب تايلندا . والحروب الصغيرة بين اسرائيل وقطاع غزة وبلغ مجموع ضحاياها حوالي 24 الف قتيل معظمهم من الجانب الفلسطيني.
وحرب العصابات في كولومبيا وحرب دارفور وشمال القوقاز، واحداث مالي ومصر والضربات الارهابية داخل تركيا. واليوم مشاركة القوات التركية في النزاع داخل سوريا. 28 دولة تدخل ضمن هذه الفئة.
اما الفئة الاخيرة تشهد فيها بلدان نزاعات تحصد اقل من مئة قتيل سنوياً وتضم 13 بلداً من ضمنها لبنان الذي يعاني من انعكاسات الازمة السورية وتهديدات المجموعات المتطرفة ووقع في لبنان منذ سنة 2011 حتى اليوم حوالي 798 قتيلاً.
اما بالنسبة للدول التي تشهد خسائر بشرية، فقد حلت سوريا في طليعتها ثم افغانستان والعراق ونيجيريا والمكسيك واليمن والباكستان.
يوجد اليوم نزاعات تتميّز في حدتها وخطورتها على السلام العالمي. من سوريا الى بحر الصين الجنوبي، يواجه العالم اليوم مصيراً مجهولاً يضعه على هاوية النزاع الشامل.الحروب الصغيرة الدائرة في اكثر من بلد تسببت بأزمات اجتماعية ضاغطة وبموجة من النزوح وطالبي اللجوء قد تكون الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا ما تناقشه الآن الأمم المتحدة في قمة خاصة لمعالجة ازمة اللاجئين في العالم والذين تجاوز عددهم 65  مليون نازح ولاجئ.
الظاهرة اللافتة هي بروز مجموعات ارهابية متطرفة لا تتقيّد بأية شروط او معايير انسانية ولا تعترف بأية قرارات دولية او شرائع تنظم العمل العسكري وحماية الاسرى وحسن معالمتهم .
كل ما يخشاه العالم هو قيام انظمة اصولية متطرفة تدفع الى المزيد من التطرف في الدول المجاورة. ان ظهور  وانتشار الموجات الاصولية خاصة في الشرق الاوسط سوف تزيد من حدة النزاعات الدينية والمذهبية في المنطقة وتصاعد النزاع الجيو سياسي، خاصة بين السعودية وايران.
ويبدو ان الدول المؤثرة في القرارات السياسية والعسكرية لا تزال حتى يومنا هذا تقوم بدور الضابط للتحركات العسكرية وليس المعالج لاسباب النزاع . وهذا يعيد طرح التساؤلات حول دور الأمم المتحدة بنوع خاص.
نعلم جميعاً ان الحرب على يوغسلافيا دفعت قوات الحلف الاطلسي الى التدخل بغطاء من الأمم المتحدة. كذلك نتذكر ان الولايات المتحدة حصلت على غطاء معنوي وقانوني من قبل هذه المنظمة الدولية قبل القيام بعملية اجتياح افغانستان للثأر لعملية 11 ايلول 2001 في نيويورك. اتخذ القرار دون اية براهين ثبوتية تؤكد مسؤولية القاعدة وبالتالي افغانستان عن هذه العملية.
وحدث الامر نفسه بالنسبة لاجتياح العراق والاطاحة بصدام حسين وايصال البلاد والمنطقة بأسرها الى ما هي عليه الآن من «الفوضى الخلاقة» كما طرحت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الإبن.
نتساءل مع كثيرين : هل تحول اليوم العالمي للسلام الى مجرد تسمية جميلة يضمر فيها الكثير من النوايا المبطنة؟ لم تتمكن الأمم المتحدة حتى الآن من معالجة القضية الفلسطينية ومنح الشعب الفلسطيني قسم من بلده يعيش فيه بأمان وسلام، كما عجزت الأمم المتحدة ان تفرض اي قرار على دولة اسرائيل لمعالجة القضية الفلسطينية.
فهل تحولت الأمم المتحدة الى مطية تستخدمها الدول الكبرى لتحقيق مشاريع وسياسات على حساب الدول الأقل قدرة منها.
ان ما يحدث اليوم في العالم المضطرب يشير دون ادنى شك انه ليس الشرق الاوسط وحده الذي  يشهد فوضى خلاقة، لكن العالم باسره يعاني من هذا الكابوس. انها حروب الصغار لمنع صدام الكبار.
فهل يفلت الزمام ويتحول الصغار ضحايا لعبة الكبار؟؟