كامل المر – سدني

الاحداث التي عصفت بتركيا اثر الانقلاب ، وذهب الكثيرون من المعلقين الى وصفه بالمفتعل ، لا تطمئن المواطن التركي ، على الاقل ، وتسبب ، في الوقت عينه ، الأرق الدائم للطاقم الحاكم لكثرة ما ارتكب بحق الشعب حتى الان .
تتحدث الأنباء عن تسعين الف مواطن تركي حتى الأمس القريب بين معتقل وموقوف ومصروف من الخدمة من كبار ضباط الجيش والشرطة والحرس الجمهوري والمخابرات واجهزة الامن المختلفة وعديدها ، ناهيك عن مئات القضاة والاف اساتذة الجامعات واساتذة المدارس ، وطلاب البعثات الذين الغيت منحهم وامروا بالعودة الى البلاد ، وعشرات كبار الادباء ومئات الكتاب والحبل على الجرار . وقد كشفت سرعة اتخاذ هذه التدابير انها كانت ، على الاغلب ، معدّة سلفاً لساعة يحين الظرف للأخذ بها وتنفيذ ها بالكامل ، ما يجعل الظنَّ ان الانقلاب مفتعل في مرتبة اليقين . يضاف الى ذلك الممارسات الارهابية التي مارسها انصار اردوغان ، والتي يراد منها ارهاب الشعب كذبح جندي مشارك بالانقلاب وسط الجموع الاردوغانية الهائجة ، والتعدي على الناس وعلى افراد الجيش المعتقلين ، في الشوارع ، وهم يساقون الى مراكز الاعتقال .
إن اغلاق عشرات محطات التلفزة وعشرات الصحف ووسائل الاعلام المختلفة ، واعتقال مئات الصحفيين والاعلاميين لا يبشر بالخير.
واذا كانت احزاب المعارضة قد اظهرت رفضها لمنطق الانقلاب العسكري وايدت “السلطة المنتخبة” ، فان اغلاق عشرات محطات التلفزة وعشرات الصحف ووسائل الاعلام المختلفة لا يبشر بخير “ديمقراطي” ابداً ، بل يندرج في مثل تأييد المعارضة المصرية لانتخاب مرسي ، الذي انقلب على كل شيء وحاول “أخونة” مصر ما استوجب خلعه ومحاكمته. فهل سيكون مصير اردوغان كمصير مرسي ؟!!
قد يستفيد اردوغان في المدى القريب من استغلال محاولة الانقلاب لتصفية خصومه السياسيين ، من احزاب وافراد ، الواحد تلو الاخر ، وقد بدأ يلوح بالعودة الى اعتماد قانون الاعدام ،  ليصبغ احكام التصفية بالصبغة القانونية . واذا صحّ ان غولن وراء الانقلاب الفاشل ، او لم يصحّ ذلك ، فان اردوغان قد الصق التهمة به ساعيا الى تصفيته ليضمن التفرد بالساحة “الاصولية الاسلامية”، بل انه لم يكتف بذلك فعمد الى توسيع حملة التصفية لتطال ليس فقط كل معارض لأردوغان ، بل حتى كل من ليس مؤيداً له . لكن شهر العسل مع المعارضة الرافضة للانقلبات العسكرية لن يطول ، ذلك ان الأصولية الاردوغانية “الاخوانية” اشدّ فتكاً من الانقلاب ، بل انها الانقلاب الذي تجاوز الدستور بان الغت استقلال السلطة القضائية واخضعتها لسلطة وزارة العدل . وكان اردوغان قبلا قد انقلب على الدستور فالغى نتائج انتخابات حزيران 2015 ، ونقل البلاد من النظام البرلماني الى نظام رئاسي على مقاس رغباته وطموحاته السلطانية ، ولم يلق ذلك ترحيبا من المعارضة ، بل سبب لها قلقا مشروعا على مظاهر الديمقراطية والعلمانية في البلاد .
قد يكون من المبكر جدا الحديث عن التداعيات الكارثية التي سببتها وستسببها محاولة الانقلاب الفاشل، ومدى تأثير ذلك على المعارضة وعلى المؤسسة العسكرية على حد سواء ، فبدلا من ان يستفيد اردوغان من موقف المعارضة الرافض للانقلابات العسكرية ذهب بعيدا في عمليات تصفية الخصوم ، التي تحولت الى ما يشبه محاكم التفتيش التي تزلزل الركائز الاجتماعية للشعب وللمجتمع .
على ان اشد تداعيات الانقلاب الفاشل خطورة هي ان الحضور الاصولي في البلاد اصبح اكبر واضخم . وليس الاعتداء على الجنود من قبل المسلحين الاصوليين سوى مـقـدمات لما سيؤول اليه الوضع في تركيا ، والذي ينذر ، في حال استفحاله ، بحرب اهلية قد يعجز الجميع عن احتوائها في حال استفحلت واشتد اوارها.
كان الله بعون الشعب التركي الواقع بين سندان اصولية اردوغانية اخوانية وبين مطرقة الحلف الاطلسي بزعامته الاميركية الوالغة بدماء الشعوب ، والتي لا يمكن ان ترضى بغير ترويض اردوغان وحزبه “للعدالة والتنمية” ، الذي سوقوه “بالاعتدال الاسلامي” ، كونه حاضنا للميليشيات التي ابتدعتها اميركا وتبناها الحلف الاطلسي والمتمثلة بالنصرة ، التي تحمّرت وتبودرت وتحولت الى فتح الشام ، وداعش والشيخ زنكي وسائر المنظمات الارهابية التي تعيث فسادا على وسع الارض العربية من مشرقها الى مغربها ، والمرشحة لتعميم فسادها في كل اتجاه .