فاطمة مارديني

لن تقف تداعيات عملية خطف لايلا ونوح الامين في بيروت بعد اطلاق سراح الام سالي فولكنر  وفريق برنامج « 60 دفيقة « في  القناة التلفزيونية الاسترالية  ، فالقضية لم تعد قضية «ام استرالية « خطف زوجها الاسترالي من اصول لبنانية علي الامين اولادها فحاولت استرجاعهم بطريقة غير قانونية، القضية الرئيسية في هذا الموضوع هي  لجوء فريق تلفزيوني الى طرق غير قانونية ودفع مبالغ طائلة اولا للقيام بعملية الخطف وثانيا لإطلاق سراح الموقوفين لدى القضاء اللبناني ، وهذا بحد ذاته مخالف للقانون الاسترالي واللبناني على السواء.
يوميا تعج محاكم العائلة في استراليا بقضايا من هذا النوع ، يستخدم الزوجان المنفصلان أعتى أنواع الاسلحة النفسية والقانونية للحصول على حضانة الاولاد ، ويرمون بكل « غسيلهم الوسخ « أمام القاضي للحصول على هذا الحق ، ولن تختلف فولكنر عن بقية الامهات، وستلجأ الى كل الوسائل للحصول على حضانة اولادها ، وستلجأ الى الاعلام وهي ما فعلته في السابق عندما تكلمت عن قصتها في برنامج 60 دقيقة وطالبت الحكومة الاسترالية بمساعدتها وعندما رأت أن هذا الامر صعب خصوصا في ظل عدم وجود اتفاقية دولية بين لبنان واستراليا لتبادل المطلوبين بأحكام قضائية ، فكرت بأخذ القضية الى منحى آخر وان كان غير قانوني بأن تتفق مع شركة بريطانية لخطف الاولاد وارجاعهم الى امهاتهم وبيع القصة للبرنامج 60 دقيقة.
ومع التعاطف الكبير عند اكثرية الاستراليين وحتى عند جمعيات حقوق المرأة في لبنان للام التي حرمت من اولادها وفهم دوافعها لتبرير ما قامت به ، وأي أم في أية بقعة في الكون  كانت ستقوم بما قامت به ، فغريزة الامومة لا تختلف من جنسية الى اخرى أو من دين الى اخر.
وما فعله الامين من حرمان أم من رؤية أبنائها وهذا لا يقره شرع ديني أو انساني ، فهو  كان أمام خيار البقاء في استراليا وانتظار الحكم القضائي الذي بالتأكيد سيعطي حق الحضانة الى الام وهو ما يعرفه الامين  جيدا ، فقرر استبقاء الحكم وحمل اولاده وهرب بهما الى لبنان حيث الحضانة هي للاب بعد عمر معين وتختلف تبعا لطائفة الاب حيث المحاكم الشرعية هي التي تطبقها .
ولكن المثير للجدل كان دخول القناة ا لتاسعة الاسترالية وبقوة على الخط الصراع الابوي على الحضانة ، فهي لم تكن فقط الوسيلة الاعلامية التي ستعرض القصة في برنامجها الشهير « 60 دقيقة « ، ولكنها اشتركت في دفع اموال لخاطفين بريطانيين ولبنانيين ، وهذا مخالف للقانون الاسترالي ، كما انها شاركت في تصوير عملية خطف واللجوء الى العنف مع  والدة الامين حيث تم دفعها على الارض ، وخطف الاولاد بقوة من يدي العاملة الاجنبية ، كما انها دفعت مبالغ طائلة ،نصف مليون دولار للامين للتنازل عن حقه وحق والدته بالادعاء على فولكنر وبقية المشتركين في عملية الخطف ، و6 ملايين ليرة لخزينة الدولة اللبنانية كفالات اخلاء السبيل    لفولكنر والمذيعة تارا بروان ومساعديها ، « وهذا ما انكره الامين في مقابلة تلفزيونية كما انكره فريق عمل 60 دقيقة «…
ولكن السؤال الكبير لماذا قامت القناة التاسعة  بدفع المبلغ للشركة الخاطفة لتقوم بعملية الخطف ، لماذا لم تدفع الام المبلغ ..! هل كان الغرض انسانيا بحتا لمساعدة مواطنة استرالية لارجاع طفليها اليها ، أم ان الغرض كان ماديا ستكسب من وراء عرضة القناة ، ولماذا اختارت القناة قصة فولكنر  بالذات وهناك مئات القضايا التي يخطف بها احد الوالدين الابناء ويحاول ابعادهم داخل استراليا وخارجها  ، ألم تسمع القناة بقصص عشرات الابناء الاستراليين الذين تم خطفهم من قبل أمهاتهم اليابانيات  في المحاكم الاسترالية  ، لماذا لم تساعد القناة هؤلاء الاباء لاسترجاع ابنائهم.!
القضية باختصار وببساطة شديدة ، أن القناة وجدت في قضية فولكنر والامين مبتغاها ، فهذه  القضية ليست مجرد قضية حضانة على الاولاد بين والدين منفصلين ، هي قضية بين أم استراليا وأب عربي مسلم ، وهو ما يتعطش له  الرأي العام الاسترالي في ظل المناخ الاعلامي المستنفر والمعادي لكل ما هو عربي مسلم ، حيث أن المسلم دائما هو «الارهابي» وهو « الخارج على القانون « خصوصا القانون الاسترالي، هو دائما الذي يخطف اولاده ويطير بهم الى الشرق الاوسط ، منطقة التخلف الفكري ، والارهاب والحروب ، هذا ما ركضت وراءه القناة ، قصة توظف فيها كل الاجواء المشحونة بين الغرب والحرب على الارهاب ، وكان الامين المسلم الشيعي الذي يسكن في منطقة مؤيدي حزب الله ، وهذا ما حاولت القناة في تغطيتها التركيز عليه اكثر من مرة ، وتصوير الامر أن الامين لديه حصانة سياسية وامنية من قبل الحزب ، وهو الحزب الذي تعتبره استراليا حزبا ارهابيا ، وأن المنطقة التي يسكنها خطرة جدا ,لاضافة عنصر التشويق على القصة ، وكأننا نشاهد أحد افلام جيمس بوند وهو ينقذ احد المخطوفين من مدينة يعم فيها الاجرام في احدى الدول الافريقية !!،

هذا هو نفسه الاعلام عندما يتم القبض على مواطن  استرالي من اصول عربية مسلمة  لا يهم ما هي تهمته ومن هي الضحية، المهم اظهاره « دينه « كعنصر مهم في القضية ، فهذا الدين هو المسؤول الفعلي عن المخالفة أو الجرم وليس سلوك الشخص كفرد حتى لو كان هذه الفرد من الجيل الثالث من المهاجرين العرب المسلمين, ولا يعرف شيئا عن دينه الا « الجلباب» «واللحية الحمراء الافغانية»!..
, لماذا لا يظهر مثلا هذا الاعلام الاسترالي « المهني « و» الموضوعي «  ديانة  أب استرالي قتل اولاده الاربعة ، أن يقال مثلا  انه كان « يهودي « أو «مسيحي كاثوليكي «    أو» بوذي  «  أو « ملحد « حتى  ، لانه يعرف جيدا أن هذا الامر لن يشد  ن أن انتباه الجمهور المعبأ بكل افكار العنصرية ضد  المسلم العربي فقط ،  وهي الموضة اليوم، وحتى نجد «آخر «نكره ونعلق عليه مشاكلنا !..