لم يلتق رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولا مصريا أو عربيا على هامش ترؤس أعمال الاتحاد البرلماني العربي، إلا كان الاستحقاق الرئاسي الموضوع الأول في هذه اللقاءات، وطرح عليه أكثر من مرة السؤال الآتي: «لماذا لم تنتخبوا رئيسا للجمهورية طوال كل هذه الاشهر؟»
يعترف بري بأنه كان يتضايق من الرد وتكرار جوابه المعهود، وهو أن هذا الملف يبقى شغله الأول لإنجاز الاستحقاق المعطل. ويأخذ في معرض رده على تساؤلات العرب الغيارى على اللبنانيين أنه يعمل على طاولة الحوار التي تجمع الأفرقاء الذين يعملون لإدارة ملفات البلاد والدفع بالحكومة الى الامام، وسط هذا الكم من الصعوبات التي تعانيها. وعلى الرغم من الموجات التفاؤلية التي يحرص بري على بثها في الداخل وزيارتيه الاخيرتين لبروكسيل والقاهرة، يظهر أنه تتجه الى المزيد من التأجيل بفعل الخلافات، حتى بين الحلفاء أنفسهم على ضفتي 8 و14 آذار. وسمع بري من شخصية عربية ما مفاده: «أطلب منك أن تشرح لي كيف لا توفقون بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية». وردّ رئيس المجلس على قاعدة «لا تتعب نفسك».
ولم يبق أمام بري بعد طول «المعاناة الرئاسية»، ولا سيما أن التشاؤم أخذ يتسلل الى أجندته، من دون أن يستسلم أمام هذا الواقع، إلا أن يختصر المشهد بقوله «الكذب خلص والصدق خلص».
وفي الوقت الرئاسي الضائع، ينتظر أكثر من طرف ما ستؤول اليه الأوضاع في المنطقة، وخصوصا في سوريا، وما ستحمله نتائج المفاوضات في جنيف، الى إمكان حصول تقارب بين السعودية وإيران، تلك الأمنية التي يستبسل بري لترجمتها حتى تنعكس شظاياها الإيجابية على لبنان. ومن هنا تنظر القوى اللبنانية باهتمام الى ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات في سوريا، ولا سيما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستعجل إرساء حل في سوريا قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك اوباما.
وفي غضون ذلك، يتم انتظار زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت وما يمكن ان يحققه في الملف الرئاسي. ولا يعول كثر على هذه الزيارة التي لم تكن لتحصل لولا محطتاه في الاردن ومصر، ولن تحمل جديدا سوى إظهار أن لبنان ما زال على خريطة اهتمامات دول الغرب. وإن الموضوع الذي يمكنه أن يساعد لبنان فيه هو تخفيف وطأة اللاجئين السوريين، ولا سيما أن الحكومة لم تعد قادرة على جبه هذا التحدي، وهي في الاصل تغرق في سيل من الازمات في أكثر من موضوع.
ومن الملاحظات على هولاند، بحسب جهات ليست بعيدة من التيار العوني، أن مسؤولا فرنسيا حضر الى بيروت والتقى العماد عون في الرابية ووجه اليه في الدقائق الاولى السؤال الآتي: «لماذا لا تنسحب من معركة الرئاسة وتعمل مع الآخرين على إيصال رئيس توافقي؟» ضبط عون أعصابه في تلك الجلسة قدر الامكان، من دون ان يخفي كامل غضبه، وانتهت على زغل. وزاد الطين بلة عدم ترحيب عون بالموقف الفرنسي عندما أقدم هولاند على الاتصال بالمرشح فرنجية، في خطوة فاجأت الجميع، وجاءت تلبية لطلب من الرئيس سعد الحريري. وثمة من اعتبر اتصال هولاند آنذاك «سقطة ديبلوماسية»، إذ ليس من عادة رؤساء الدول مكالمة مرشح، وهذا الامر يحصل بعد انتخابه لتهنئته.
واللافت أن اللبنانيين في هذه الايام ينشغلون بـ «البلدية» أكثر من «الرئاسية» وتحتل الاولى صدارة الاهتمامات حتى في الشارع الماروني، لأن ثمة أكثر من مدينة مسيحية ستشهد مواجهات على الرغم من التفاهم الحاصل بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية».
بين الانتخابات البلدية وانتظار مفاوضات جنيف وتقارب الرياض وطهران، لا تزال فرصة انتخاب رئيس ضائعة في ملاعب القوى اللبنانية.