لم تهضم «حكومة المصلحة الوطنية « بعد ملابسات السياسات والديبلوماسيات المتفردة التي واكبت زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون للبنان في نهاية الاسبوع الماضي، باعتبار ان عطلة الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي حالت دون تفاعل فوري لموقف وزير الخارجية جبران باسيل الذي قاطع الزيارة بكل مراحلها. لكن الأمر لا يبدو مرشحاً للوقوف تكراراً عند هذه المأثرة في سلسلة لم تنقطع، ولن تنقطع طبعا، من مآثر تفرق الحكومة فرقا واقطاعات بل دولاً لا يربط بين الواحدة والاخرى منها رابط حتى في ما لا يجيز التصرف والتفرد مثل الخطاب الحكومي والوطني من قضية اللاجئين السوريين الذي عاين بان كي-مون بأم العين ملامح التمايزات الرسمية منه وسط مواقف متفرقة ومتباعدة، فيما يحتاج لبنان بقوة الى توظيف الموقف الدولي الى جانبه واستمالته لتقصير امد معاناته من عبء اللاجئين السوريين من جهة وحض الامم المتحدة على الاضطلاع بدور فعال في ترسيم الحدود البحرية لمنطقته الاقتصادية الخالصة والحؤول دون القرصنة والقضم اللذين تمارسهما اسرائيل مستفيدة من واقع التشتت اللبناني وتوزع مؤسساته وقواه وانقسامها في عهد الفراغ المتمدد والمتمادي.
ليس من سيناريوات واضحة بعد لما يمكن ان يحصل في جلسة مجلس الوزراء غدا الخميس لدى مقاربة هذا الشأن الحيوي. ولكن ربما كان ضروريا انعاش الذاكرة بأن التضارب في المواقف من مسألة توطين اللاجئين السوريين التي نفى رئيس الوزراء تمام سلام بشدة ان تكون طرحت مع لبنان في أي وقت فيما عاد الوزير باسيل الى اثارتها غداة مغادرة بان كي-مون والوفد الاممي بيروت، استعادت بسرعة تطورات مماثلة تتصل بأزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية وقبل هذه وتلك امور مشابهة غالبا ما تضع لبنان وسياسته الخارجية أمام محك صعب وحرج لا يحسد عليه الى الحديث عن وجود «ديبلوماسيات» متصلة بسياسات أفرقاء متصارعين أكثر منها ديبلوماسية موحدة بالحد الادنى التي تمليها المصالح العليا للدولة الممثلة لمجموع اللبنانيين بكل فئاتهم وقواهم.
وسط هذه الأزمة البنيوية الشديدة الوقع على الحكومة تأتي في الايام الاخيرة قضية لا تقل أهمية معنوياً وديبلوماسياً أيضاً لتضيف ثقلاً جديداً على سائر المعنيين بترميم صورة لبنان في المحافل والمنتديات الدولية وخصوصاً ان الامر يتصل هذه المرة بترشيح لبناني لمنصب الامانة العامة لمنظمة «الاونيسكو». ولم يكن غريبا ان تضج الاوساط اللبنانية في اليومين الاخيرين بنبأ متسرع يفيد أن «المعنيين « في الحكومة تبنوا ترشيح السيدة فيرا خوري ممثلة بعثة سانتا لوتشيا في «الاونيسكو» للمنصب، فيما كان الوزير السابق غسان سلامة اعلن ترشيحه قبل اقل من اسبوعين طالبا دعم الحكومة لترشيحه. اتخذ الامر بعداً شديد السلبية ليس من منطلق رفض لاسم السيدة المرشحة التي لا يعرفها اكثر المعنيين حتى بهذا الامر وانما من منطلق الاستعجال أولاً في تعميم المعلومات عن تبني الخارجية اللبنانية ترشيح فيرا خوري قطعاً للطريق على أي مراجعة في الامر، وثانيا وهنا الأهم من منطلق ما يمثله غسان سلامة ويجسده من مواصفات عالية جداً لاحتلال موقع مرشح لبنان للامانة العامة للاونيسكو. واذا كان لا بد من معاينة التداعيات الواسعة التي أثارها هذا التطور فتكفي معاينة التأييد العارم الذي حظي به ترشيح سلامة عبر وسائل الاعلام وحملات مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والمغتربات بالاضافة الى مواقف داخلية عدت هذا الترشيح بمثابة فرصة ثمينة لترميم الصورة المتداعية للبنان خارجياً عبر تزكية غسان سلامة النخبوي وصاحب الكفايات المشهود له عالمياً أكاديمياً وثقافياً وديبلوماسياً. ولعل أسوأ ما واكب هذا التطور ان «المعنيين « لم تعوزهم القدرة على تبرير الاستعجال في تبني الترشيح الحكومي للسيدة خوري الذي هبط بسرعة قياسية ولم يترك مجالاً لمراجعة أو تريث مما عكس موافقات تجاوزت الخارجية الى رئاسة الوزراء وسواها من مواقع معنية. اذ ان مصادر في الخارجية بررت ذلك بان الوزير السابق غسان سلامة لم يستشر أحداً ولم يراجع أحداً في ترشيحه الذي جاء عبر مقابلة تلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم في برنامج «كلام الناس». واعترفت هذه المصادر بان خوري لم تكن معروفة لدى المسؤولين اللبنانيين فأجريت التحقيقات في شأنها في أروقة المنظمة والبعثات الديبلوماسية «وتبين انها تتمتع بثقل كبير داخلها وتبوأت مناصب ادارية وديبلوماسية عدة مدى أكثر من 20 عاما وعندها قررت الحكومة اللبنانية ترشيحها رسميا».
مجلس الوزراء
الى ذلك، أبلغت مصادر وزارية أنه سبق لمجلس الوزراء أن أقرّ الاعتمادات المطلوبة لإجراء الانتخابات البلدية التي حدد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مواعيد إجرائها وتالياً فإنها قائمة في مواعيدها. وأوضحت ان المجلس في جلسته العادية غداً الخميس قد يتطرق من خارج جدول الاعمال الى مصدر الاموال التي قررها المجلس نفقات لهذه الانتخابات خصوصاً أن لبنان من دون موازنة وتسيّر الحكومة الامور على القاعدة الاثني عشرية.
كما قالت المصادر الى ان الجلسة ستبحث من خارج جدول الاعمال في وضع المطار ونتائج زيارة الامين العام للامم المتحدة والسجال حول توطين اللاجئين.أما في ما يتعلق بجدول الاعمال الذي يتألف من 120 بنداً و16 مشروع مرسوم، فيتصدّره بند جهاز أمن الدولة الذي يجري التشاور في شأنه بجملة مقترحات منها تعيين عضويّن جديدين في مجلس القيادة والمصالحة وتعديل النظام الداخلي.
صراع «داعش» و«النصرة»
في سياق آخر شغلت المعارك العنيفة الدائرة منذ يومين على تخوم عرسال وجرودها بين تنظيمي «داعش» و«النصرة» الجهات العسكرية والامنية اللبنانية وسط استنفار واسع للجيش تحسباً لتمدد المعارك الى بعض نقاط الداخل الحدودية في الاراضي اللبنانية، علماً ان المنطقة تشهد عاصفة ثلجية اسوة بمعظم المناطق الجبلية اللبنانية. وقال مصدر أمني لوكالة «رويترز» ليل أمس ان الاشتباكات بين التنظيمين أدت الى مقتل 18 من أفراد «النصرة « وأسر ستة آخرين في مقابل مقتل 14 من «الدولة الاسلامية». وأشار المصدر الى امتداد القتال من بلدة الجراجير السورية في جبال القلمون الى بلدتي رأس بعلبك وعرسال داخل لبنان.