بقلم بيار سمعان
خلال السنوات الخمس الاخيرة دخل قاموس الاعلام عبارات ومفاهيم جديدة لم تكن مألوفة او متداولة في السابق ومن ضمن هذه التعابير: زواج المثليين، والمساواة في الزواج واعادة تحديد الزواج والآن يتحدثون عن المدارس الآمنة.
تعابير فيها الكثير من الازدواجية والرياء والتناقض، واقل ما يقال عنها انها تقصد شيئاً فيما تهدف الى تحقيق اشياء اخرى عديدة.
نتذكر جيداً كيف رافق اطلاق هذه المفاهيم الجديدة في وسائل الاعلام والندوات الاجتماعية والتحرّك في الشارع مساعٍ حثيثة بذلها رجال سياسة لإدراج تعديلات قانونية يجري من خلالها الاعتراف بالعلاقة الجنسية «الشاذة» بين رجل وآخر وامرأة واخرى.. انها علاقات، ليس فقط مشروعة ومقبولة، بل هي ايضاً علاقات زوجية تؤسس لبناء عائلة، قد تكون بديلاً للعائلة التقليدية السائدة منذ التكوين حتى اليوم.. نعم يُعيدون تحديد الزواج لارضاء رغبة الاقلية على حساب الطبيعة والايمان والحقيقة والاخلاقيات وتطبيع ما هو غير طبيعي وتشريع ما لا يتلاءم مع الاخلاقيات.
وان تم ذلك ونجح السياسيون من مثليين وانصارهم، تكون المجتمعات الغربية قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها والقائمة على اعتماد النزعات الحيوانية وحدها دافعاً لتنظيم الحياة الاجتماعية، وكل ما يلي ذلك من انعكاسات سياسية واخلاقية وتربوية واقتصادية وايمانية ونفسية لن تمحى اثارها السلبية بسهولة. وسوف تؤدي الى انقسام المجتمع بشكل خطير يؤدي الى عملية فرز ليس بسبب العرق او الثقافة او المعتقد.. بل بسبب الانتماء الى فئة اجتماعية جديدة وهي اقلية ضئيلة داخل المجتمع، يساندها القرار السياسي بحجة احترام الحرية الفردية ومنح المساواة للجميع… لذا ستكون الميول الجنسية مدخلاً لكل التمييزات مجتمعة بهدف ضرب العائلة والحريات والايمان الديني والحفاظ على المثل الاخلاقية ونقلها الى الابناء والاحفاد في بيئة اجتماعية صالحة وطبيعية…!؟
المخططون «الاشرار» اعتمدوا اسلوباً جديداً بعد ان فشلوا في فرض تعديلات قانونية تحقق مآربهم ونواياهم الخبيثة، يريدون الاستفادة من النظام التعليمي والمؤسسات التربوية لاحداث تغيير في نفوس الاحداث الناشئين لكي يصبح تعديل القانون امراً سهلاً في وقت لاحق. هذا ما يطلقون عليه تعبير «المدارس الآمنة».
فان كانت البرامج التي سمح بتدريسها في المدارس هي صالحة، فلماذا امرت الحكومة الفيدرالية، بعد اقل من سنة، اجراء مراجعة تقييمية لها؟
ولكن بالمقابل نتساءل: لماذا اسرع زعيم المعارضة بيل شورتن لوصف منتقدي هذه البرامج انهم يشنون حملة ترهيب اجتماعية ضد المثليين؟ ولماذا تشن وسائل الاعلام ويقود بعض الناشطين حملة مغايرة تتهم الحكومة بالخضوع لضغوطات المجموعات المسيحية الناشطة داخل الإئتلاف في البرلمان وخارجه على حد السواء والسير بإيحاءات اليمين المتطرف في صفوفه.
هذا الموقف عبر عنه صراحة السيناتور في حزب الخضر روبيرت سيمس الذي اتهم مالكولم تيرنبل انه طرح الشبان الاستراليين عندما خضع لضغوطات اليمين المتطرف في الإئتلاف لافتاً ان التغييرات المقترحة لوقف تمويل مادة «المدارس الآمنة» سوف تؤدي الى زيادة البلطجة والتحرشات داخل المدارس.
< منهج «المدارس الآمنة»
ما هو المقصود بمنهج المدارس الآمنة؟
قسمان يندرجان ضمن هذا المنهج التعليمي: الاول يسعى الى انماء القدرات الشخصية والاجتماعية لدى الطلبة.
وضمن هذا الشعار الواسع يجري تثقيف التلاميذ، منذ الصفوف الابتدائية حتى الثانوية على فهم اعمق للفروقات والميول الجنسية والتكيّف الايجابي مع الآخرين من مثليين وسحاقيين وذوي الميول الثنائية نحو الجنسين معاً واحترام وتطبيع السلوكيات المختلفة في حال كانت ناتجة عن الثنائية الجنسية واعتماد السلوك الايجابي حيال من يختلفون عنا لاسباب جنسية بحتة.
الشعار الكبير يبدو عادلاً وانسانياً ويقوم على الاحترام المتبادل، لكن التدقيق العميق في المناهج واساليب التدريس تسعى الى تطبيع ما هو غير طبيعي واحداث تغيير جذري في قناعات ومثل وتقاليد عامة الطلاب لكي يصبح مفهوم زواج المثليين او الانخراط في علاقة جنسية غير مألوفة امراً اعتيادياً ومقبولاً.
النائب في حزب الاحرار الوطني كوري برناردي المناهض لهذا المنهج التعليمي يذهب ابعد من ذلك، ويتساءل حول مصداقية هذا البرنامج التعليمي اذ ان التهم توجه لواضعه انه مدان بالاعتداء الجنسي على الاطفال.
وتعتقد ليلي شيلتون من اللوبي المسيحي الاسترالي ان طرح هذه المنهجية هي جزء من آجندا سياسية تسعى الى تعميم العلاقات الجنسية الشاذة.
ان طلب مراجعة هذه المناهج والاعتراض عليها يدفعان للاعتقاد انه توقف الاعتماد على هذه البرامج وتدريسها في المدارس الاسترالية. والعكس هو صحيح اذ انه بمقدور اية مدرسة الحصول على هذه المنهجية التعليمية من الشبكة الالكترونية الخاصة بها. كذلك اعلنت حكومة فيكتوريا العمالية انها ستتابع تدريس هذه المادة في المدارس الحكومية وتقر الزامية هذه البرامج في المدارس الثانوية. انصار هذا المنهج يعترضون على موافقة الأهل المسبقة، كما طرحت الحكومة الفيدرالية وينكرون بالتالي ان المسؤولية التربوية تقع بالدرجة الاولى على الاهالي. وان كانت القوانين والاعراف تخولهم سحب ابنائهم من حصة التعليم الديني اذا كانت لا تتلاءم مع معتقداتهم، فلماذا لا يحق لهم بالتالي عدم السماح لهم المشاركة في برنامج تربوي لا يتفقون مع مضمونه؟؟
فالنظر الى المواد المدرجة في هذا البرنامج يثبت انها مثيرة للجدل ويُشك في مصداقيتها وان طرح امور تتعلق بالفروقات الجنسية على اطفال صغاراً ابتداءً من عمر 4 سنوات هو امر مشكوك في قيمته التربوية وحسن نوايا واضعي هذا البرنامج، خاصة عند الانطلاق من نظرية انه لا يوجد فقط ذكر وانثى، رجل وامرأة، بل هناك ايضاً وراء الذكورة والانوثة من هم بين الجنسين، وهناك المثلية ومثليي الجنسين والمخنتين.. الى آخر المعزوفة.. فالبند 18 من القانون ينص علىاحترام حرية الاهالي او الوصي لضمان ان تكون التربية الدينية والاخلاقية لدى ابنائهم متلائمة مع مبادئهم . ويحفظ القانون حق الاهالي في عدم السماح لأبنائهم بحضور ودراسة مواد تتعارض مع هذه المعتقدات.
وعلى صعيد آخر اظهرت دراسة قام بها الباحثان انطوني سميث وبول بادكوك من جامعة لا تروب، قاما خلالها باستجواب ما يزيد على عشرة آلاف رجل و9 آلاف امرأة ، ان 97 بالمئة من الرجال و97،7 بالمئة من النساء يعتبرون انفسهم انهم يميلون الى الجنس الآخر.
كذلك اثبتت دراسة اخرى (2002) من جامعة موناش ان العرف السائد في العلاقات الجنسية هو الميل نحو الجنس الآخر وان ما يقارب 0،47 بالمئة من الاستراليين الذين يتساكنون لديهم ميول مثلية.
وفي استطلاع للرأي جرى سنة 2011 قام به مكتب الاحصاء الاسترالي تبين ان واحد بالمئة من الشعب الاسترالي لديهم ميول جنسية مثلية.
فان صحّت نتائج هذه الدراسات، فلماذا يريد البعض تغيير كل القوانين لكي يتكيّف 99 بالمئة من الناس مع اقلية لا تزيد علىواحد بالمئة ؟؟
وما هي بالتالي الآجندا السياسية الجنسية وراء ادراج برنامج المدارس الآمنة
والتزام حزب العمال بارغام جميع اعضائه بالتصويت لصالح زواج المثليين في الدورة النيابية المقبلة؟؟
ولماذا تستمر الحكومة الفيدرالية بتمويل هذه النمهجية التعليمية المشبوهة، ولماذا يريد حزب العمال في فيكتوريا ان تصبح هذه المادة الزامية في الصفوف الثانوية..
وهل نسير نحو المزيد من التشريعات «الشاذة» التي تتلاءم مع ميول غير طبيعية لدى القلة الضئيلة داخل المجتمع الاسترالي. ولماذا يستخدم رجال السياسة هؤلاء كطعم لادراج تعديلات قانونية لا تتلاءم مع الشرائع والمثل والتقاليد التي اصبحت قانوناً اجتماعياً لأنها اثبتت طوال مئات وآلاف السنين صلاحيتها الاجتماعية والتربوية.
pierre@eltelegraph.com