تكثر التكهنات والتفسيرات حول القرار السعودي وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وخلفياته، والذي سبب صدمة للوسط السياسي، إلا أن التفسير الذي يتفق عليه غير مصدر سياسي قيادي هو أن المملكة لم تعد تحتمل استمرار استخدام «حزب الله» القرار السياسي اللبناني ضدها في المواجهة التي تخوضها مع التدخلات الايرانية على امتداد المنطقة، بسبب ضغوط الحزب على مركز القرار اللبناني.
ويقول مصدر سياسي بارز أن بعضهم اعتبر بأن الرياض تتجه الى الانسحاب من لبنان عبر قرارها وقف مساعداتها العسكرية، إلا أن هذا التفسير يتجاهل الواقع الفعلي وهو ان القرار السعودي يأتي في اطار المواجهة مع التدخلات الإيرانية في المنطقة، من اليمن الى سورية مروراً بسائر دول الخليج والعراق حيث لكل ساحة من هذه الساحات مقتضياتها.
ويضيف المصدر أنه لم يكن عن عبث أن القرار السعودي، ومن بعده التأييد الإماراتي والبحريني، أشار بوضوح الى «مصادرة حزب الله القرار اللبناني وإرادة الدولة اللبنانية»، ما يعني أن الرياض تأخذ على القيمين على السلطة السياسية في لبنان مراعاتهم لمقتضيات الهجوم الإيراني عليها والسياسة العدائية التي تنتهجها طهران ضد المملكة ودول الخليج وأن لبنان بات أحد ميادين النفوذ الطاغي لإيران مثل دول أخرى بحيث ان المواجهة التي تخوضها معها باتت تشمل لبنان، طالما ان «حزب الله» يستخدمه منصة في تنفيذ السياسة الإيرانية ضد السياسة السعودية، إضافة الى العراق وسورية والتمرد على الشرعية في اليمن.
وفي اعتقاد غير مصدر ان اتخاذ وزير الخارجية جبران باسيل في كل من مؤتمري وزراء خارجية دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، موقف النأي بالنفس عن التضامن مع المملكة إزاء التدخلات الإيرانية في شؤونها، تحت تأثير الحزب، أثار غضب المملكة والدول الخليجية، لكن هناك من يعتقد في بيروت ان رئيس الحكومة تمام سلام تأخر في تصحيح الموقف في شكل واضح وأن تسلحه بالبيان الوزاري لتبرير موقف باسيل جاء ليثبت لها ان قرار الحكومة يتأثر بما تريده ايران والحزب وليس بما تقتضيه العلاقة الخاصة بين لبنان والمملكة. وتشير مصادر سياسية لبنانية الى انه على رغم العلاقة التاريخية بين سلام (وبيته السياسي) والسعودية، كان هناك عتب عليه لعدم تصحيحه موقف باسيل. بل ان البعض يعتقد بأن المسؤولين السعوديين انتظروا مقابلته التلفزيونية ليل الخميس الماضي لعله يوضح الموقف في شكل حاسم، إلا أنه عاد فكرر اللهجة التبريرية بأن التوجهات اللبنانية في السياسة الخارجية محكومة بالدستور وبقرار مجلس الوزراء اللبناني، ما أوحى بأن وجود «حزب الله» كشريك في الحكومة يحول دون هذا التصحيح وأنه يراعي الحزب وبالتالي ايران، بدلاً من مراعاة المملكة التي لا تستطيع ان تقبل بهيمنته على الحكومة، فهي تقدم لها المساعدات لمواجهة التحديات بما فيها محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي دفعها الى منح لبنان هبة الثلاثة بلايين دولار ثم البليون دولار في مواجهته، ولتقوية المؤسسات الأمنية في وجه ما تعتبره استباحة «حزب الله» للحدود مع سورية.
ورأى أحد السياسيين الفاعلين ان هذه المحطة الجديدة في الصراع السعودي – الإيراني، تنقل الوضع اللبناني الى مرحلة مختلفة طالما ان الرياض اتخذت اجراءات ضد النفوذ الإيراني فيه والتي يبدو ان وقف المساعدات العسكرية أول الغيث فيها.
وفي اعتقاد السياسي نفسه أنه مع انزعاج قادة السعودية والخليج من تكرار الأمين العام لـ «حزب الله»، (وحلفائه) هجومه على سياسة المملكة في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة وانخراطه عبر أجهزته الحزبية ومقاتليه في هذا التمدد، وفق خطة إيرانية، واستعماله لبنان منبراً دائماً لهذا الهجوم، فإن تأثير الحزب على أي قرار حكومي في السياسة الخارجية شكل خطاً أحمر لديهم، كانوا يأملون بألا يسمح سلام وسائر القوى الممثلة في الحكومة بتجاوزه، حتى لا يتكرس الانطباع بأن الحكومة خاضعة لإملاءات إيرانية كما في دول أخرى تناهض المملكة العداء. ويشير السياسي نفسه الى أن ما حصل في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يأتي في وقت تُتهم إيران بأنها تعطل انتخاب رئيس جديد في لبنان لاستخدام الفراغ ورقة ضاغطة على سائر الدول ومنها السعودية في سياق الصراع في المنطقة، ولأنها تهدف الى ضمان تركيبة حاكمة تنسجم مع النفوذ الذي تسعى الى تكريسه على الصعيد الإقليمي.
وينتهي المصدر الى القول إنه على رغم ان القادة السعوديين قبلوا بسعي بعض أصدقائهم في لبنان الى تحييده عن الصراعات في المنطقة عبر تسوية لإنهاء الشغور الرئاسي، فإن الأزمة الأخيرة أظهرت ان النفوذ الإيراني ليس في مناخ تحييد السلطة السياسية اللبنانية عن هذا الصراع، وهو التحييد الذي توخى زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري تحقيقه عبر قراره دعم مرشح من قوى 8 آذار، حليف للحزب آملاً بأن يشكل هذا التنازل انقاذاً للبلد من الانغماس أكثر في التناقضات الإقليمية.
لذلك، فإن الأوساط المتابعة للقرار السعودي الأخير تضعه في خانة الرد على إمعان إيران عبر الحزب في السيطرة على القرار اللبناني والذي يشمل اطالة الشغور الرئاسي.