الآء القيسي – سيدني

على مشارف الإكتئاب، أخلو بفرحتي بفستان أصفر لبسته في عامي الأول بالمدرسة ،أبكي عليه ويضيق بي، أرجوه أن يكبر معي فلا يسمعني ويتفتّق بي، أردد أغنية طفولية قديمة علّه يصدق أنه ما زال يناسبني، تتذمر قطة سوداء من رداءة الطبيخ الملقى في القمامة، أعاهدها أن أعطيها لفافة خبزي كل يوم إن تلبَّسَت ما ربا من جسمي عن فستاني الأصفر، توافق بشرط أن أستثني الزعتر من قائمة وجباتها، هربتُ بفستاني الى عالم آخر لا يدركه إلا الاطفال الذين غادروا باكراً، وجزء مني يحيا في تلك القطة.
في بداية حياتي كقطة، تعلمت أن كرهي لهذا المواء الذي لا أحسن سواه يحجب عني أصواتاً كثيرة أحب سماعها، فتجاهلت الكثير من سوءاتي، وأخذت أعدد محاسن أن أكون قطة، أستطيع أن أستلقي تحت الشمس أنّى شئت، وأمارس هوايتي بتأمل الأشكال البزغية التي ترسمها الشمس تحت جفني.. لن أثير رغبات أي رجل إذا استلقيت تحت الشمس، ولن أكترث بجسدي ومشيتي حين أعبر من أمامهم، لن أشُكَّ الكثير من الدبابيس في ملابسي لأستر عوراتي الكثيرة ككل النساء في حيّنا، أتسكع في الشوارع متى شئت دون أن يعرض علي أحدهم توصيلة فيها ما فيها، بالرغم من ذلك كانت تجاربي مع السيارات واصحابها قاسية جداً، لكني لم أكن أدري ما قد خبّأه الله لي من مفاجأة سعيدة بعد نجاتي من سيارة طائشة، لم أذكر كم من الوقت لبثت في تلك الغيبوبة، لكني استيقظت على صوت امرأة عجوز تُغنّي أغنية  مألوفة بينما يداها تُقلِّب العدس في وعاء ألمنيوم، شكرتها ب»مياو» فيها الكثير من الود، ابتسمت لي ومررت يدها فوق فرائي، فأغمضت عيني تهذباً، نادت على ابنها ليقدم لي بعض ما فاض عن حاجتهم من الطعام، وحينها شاهدت عيناي أجمل رجل في حياتي، كان حبّي الأول ، قرفص أمامي وداعب شعري: «جوعانة؟»
«مياو» بصوت فيه الكثير من الخجل، ذهب إلى البقالة واحضر لي علبة سردين، لم أحظ بمثل هذا الكرم في حياتي، أو على الأقل مُذ  تلبَّستني تلك القطة، لا بدّ أنه أحبني من النظرة الأولى وإلّا ما الذي يجبر شاباً مثله أن يتكلف كل هذا العناء من أجل قطة، منذ ذلك اليوم وأنا أحاول أن أطلعه عمّا له في قلبي، لكن أقصى ما كنت أستطيع أن أفعله هو أن أقف وأصفق له فيضحك كثيراً ويضمني إلى جناحه، ويتابع مشاهدة المباراة، كنت بعدها أتركه وأذهب للبكاء بعيداً، فأنا لست سوى قطة مُهرِّجة حمقاء، كيف لشاب مثله أن يحبَّ قطةً مثلي، بكيت لياليَ و أياماً وكم تمنيت أن أنعتق من هذه القطة لأعتنقه، حتى أدركت حقيقة فتاة تطيل النظر إليه من نافذة غرفتها، كنت أراها كم حاولت أن تلفته إليها، أسمع تنهيداتها كلّما رأته يحضنني، كنت أسمعها وهي تدعو الله أن يحوّلها قطة فترتمي بين أحضانه متى شاءت، حينها فقط عُدت تارتي الأولى أُحصي محاسن أن أكون قطة تحت جناح من أُحب.