جوزفين حبشي
128 نائبا في البرلمان اللبناني فشلوا ولا يزالون في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. اما في البرلمان السينمائي، فقد تمكن ثلاثة نواب من تحقيق المهمة المستحيلة. انهم المنتج جمال سنان وكاتبة السيناريو كلوديا مرشليان والمخرج فيليب اسمر، الذين لم يكتفوا بأن ينتخبوا للبنان رئيساً «قوياً»، بل قدموا إلينا جمهورية سينمائية فانتيزية لديها سيدة اولى، وسيدة ثانية هي بطلة الفيلم الأولى ماغي بو غصن. ثلاثة نواب، انتخبوا لنا شريط «السيدة الثانية» الذي يمكن اعتباره «الثالثة» التي بدأت تصبح «ثابتة» في مسيرة «إيغل فيلمز» الانتاجية بعد شريطين اولين: «بيبي» و»فيتامين». تجربة في طور النضج، بدأت تكبر بعدما توافرت لها فيتامينات الانتاج الضخم والصورة الجميلة التي تزيل مشهد النفايات التي تملأ الوطن من اذهاننا، والسيناريو الذي حاول وضع الاصبع على الجرح اللبناني بأسلوب ساخر مضحك ومبك وفانتيزي ورمزي.
نبدأ بالقصة التي تروي مغامرة الحبيبين الفقيرين دهب (ماغي بو غصن) ورضا (باسم مغنية) اللذين ينتقلان للعمل طباخين في القصر الجمهوري. ورغم ان الفيلم استغرق وقتا لا بأس به قبل ان ينطلق فعلياً بعقدته، إلا أن الطباخين يصبحان سريعا، ومن دون اي تمهيد أو معرفة السبب، محط ثقة رئيس الجمهورية (جوزف بو نصار) والسيدة الأولى (نهلا داود) وابنهما الصغير. وهذا ما يجعلهما صلة الوصل بين السلطة الاولى في البلاد ومطالب سكان حيهما الفقير الذي يرمز الى الشعب اللبناني الكادح. لكنْ لدهب الطيبة شقيقة توأم هي الوجه الشرير والمظلم منها. الشقيقة الراقصة تحاول مع مدير اعمالها (فؤاد يمين) الحلول مكان شقيقتها في القصر الجمهوري، لتحقق طموحاتها الشخصية ضاربة عرض الحائط هموم الشعب المسكين.
«السيدة الثانية» هو التجربة السينمائية الأولى للمخرج فيليب اسمر والكاتبة كلوديا مرشليان بعد عشرات المسلسلات الدرامية لكليهما.
كلوديا مرشليان حاولت «لبننة» الفيلم من خلال معالجة بعض الهموم اللبنانية الإنسانية والاجتماعية والحياتية مثل الشيخوخة والفقر والبطالة واطفال «الحرام»، لكنها اعتمدت أسلوب الحكاية الخفيفة والمبسّطة الشبيهة بالقصة الرمزية التي قد تجري في أي زمان ومكان. خيار المخرج تصوير لبنان برمزية بعيداً عن الخصوصية الدقيقة والواقعية التوثيقية ليس خياراً خاطئاً، رغم أن واقعنا الفعلي اغرب من الفانتازيا وحافل اكثر بالنماذج الغنية بالمضمون والمشهدية والمشكلات العجيبة. الشريط اعتمد ايضاً تقنية التنويع في الانماط، فتنقل بين الطريف والمؤثر والدرامي والرومانسي والفكاهي والهزلي والتشويقي والثريلر. تنويع قد لا يلائم شريطا سينمائيا ينشد بناء هيكلية واحدة متجانسة، لكنه يلائم تماماً الوضع اللبناني المضحك المبكي. التصوير جميل والادارة الفنية غنية، وهما خلقا لنا وطناً سحرياً يشبه الفانتازيا اكثر من الواقع، تماما مثل غرفة الطفلة غير الشرعية بيبا وامها العازبة (باميلا الكك)، وقصر الرئيس وحاشيته وخدامه. اما التمثيل فهو من نقاط قوة الفيلم مع شخصيات نافرة، ملونة، كاريكاتورية، تشبه لبنان الفانتازيا. ماغي بو غصن تميّزت خصوصا في الدور الثاني، اي الاخت الشريرة، فقدمت اداء جذاباً وقوياً وبدت مقنعة في الشخصيات المركبة، وقد كسرت من خلاله ادوارها المعتادة كفتاة طيبة. باسم مغنية مقنع بسلاسة أدائه. بدوره فؤاد يمين كسر صورته المعتادة، وقدم شخصية بعيدة عن الكوميديا. جوزف بو نصار صاحب حضور مغناطيسي ملائم جدا لشخصية الرئيس وحواره الفردي آسر عندما تكلم على وضع البلاد اثناء انتظاره للتأكد من ان الطعام غير مسموم. باميلا الكك مؤثرة رغم صغر مساحة دورها وابنتها الصغيرة اضافت على الشريط مزيدا من البراءة. نهلا داود أنيقة، ختام لحام كاريكاتورية وجهاد الاندري استاذ وجناح فاخوري ظريفة وعمر ميقاتي مؤثر ومارينال سركيس طريفة كعادتها رغم المبالغة في تكرار انها حامل.
الفيلم يعرض منذ الخميس 17 كانون الاول في صالات امپير وڤوكس وغراند وسيني- مول ضبية.