ابراهيم بيرم

في دوائر القرار في «حزب الله « و»التيار الوطني الحر» يجري تداول جملة استنتاجات وخلاصات لنتائج التجربة السياسية الاخيرة التي استغرقت نحو ثلاثة اسابيع، والتي فرضت نفسها بقوة على المشهد السياسي الداخلي الى درجة انها اسرته تماما، والمتأتية عما صار يعرف بمبادرة الرئيس سعد الحريري القاضية بتسمية احد ابرز اركان فريق 8 اذار لملء الشغور الرئاسي المستمر منذ ما يربو على عام ونصف عام.
ومحور هذه الخلاصات والاستنتاجات التي سيبنى عليها في المرحلة المقبلة هو الاتي:
– ان التجربة من الفها الى يائها اتصفت بالتشاطر على امل امرار عملية غير مسبوقة عنوانها العريض اعطاء منصب الرئاسة الاولى لشخصية محسوبة بالكامل على فريق سياسي معين في مقابل التمهيد لاحياء عملية الهيمنة على النظام السياسي العام وتقاسم مغانمه على غرار التجارب السابقة المعلومة والتي بدأت منذ مطالع عقد التسعينات.
– ان المبادرة اصطدمت بعوائق اسمنتية بالغة السماكة وبارادات ممانعة صلبة وضعتها امام احتمال النعي والانطواء وافهمت من يعنيهم الامر ان ثمة يقظة مطلقة عند هذين الفريقين حيال كل الموضوعات والقضايا وتفاصيلها.
– ان الطرفين اياهما باتا يقيمان على يقين بان ثمة وقائع ومعطيات وثوابت ترقى الى ان تكون مسلّمات ارسيا جذورها في تربة الواقع السياسي منذ فترة طويلة بحيث لا يمكن اي طرف القفز فوقها او التلاعب بها او تجويفها من مضمونها.
– ان الفريقين عينهما صارا على قناعة بانه لا يمكن العبور الى ملء الشغور في قصر بعبدا من دون اخذ دفتر شروطهما ومواصفاتهما بالاعتبار، الى درجة ان رأس الفريق الاخر بات يبلغ من يعنيهم الامر من الحلفاء ان الرئاسة الاولى بعد اليوم هي حتما من نصيب فريق 8 اذار كما هي الرئاسة الثالثة من نصيب «تيار المستقبل».
– في الدوائر عينها نقاش عميق عن حقيقة ما تردد من ان الرئيس الحريري اطلق مبادرته الصادمة اما بغطاء جزئي اقليمي، واما ان الطرف الاقليمي المعني (اي الرياض) نزل عند رغبة الحريري على سبيل التجربة مع ادراكه المسبق باستحالة امرار هذه المبادرة وتحويلها الى واقع يكسر رتابة المشهد اللبناني ويضع خاتمة سعيدة للشغور الرئاسي. والجواب مهم بالنسبة اليهما، فاذا كانت كفة الاحتمال الاول هي الراجحة فمعنى ذلك ان زمن التسويات المجزأة في دول المنطقة المشتعلة قد دنا وصار خيارا مقبولا بعدما كان في الاعوام الخمسة المنصرمة مرفوضا ومرذولا انطلاقا من ترابط الميادين ليكون اساسا لتسوية السلة الواحدة.
وفي هذه الحال ربما يكون العكس صحيحا، اي ان الطرف الذي رفض المبادرة له اعتراض ضمني على الحلول الجزئية للازمات في الساحة اللبنانية.
وفي السياق عينه يندرج كلام في الدوائر نفسها عن ان الرئيس الحريري اجتهد فاخطأ فكان له اجر واحد وفق القواعد الفقهية المعروفة عند بعض المذاهب، خصوصا ان كل المؤشرات الواردة الى هذين الطرفين تكشف ان الحريري تعامل مع مبادرته كمعبر لازم يؤمن له عودة مضمونة آمنة الى السلطة والشروع في تجربة حكم جديدة تحرره من الارث الثقيل للمرحلة الماضية، لاسيما ان ثنايا المبادرة وطياتها تزخر بوعود اقتصادية مجزية تتركز على موضوع استخراج الثروة النفطية المودعة في باطن الارض اللبنانية والتي تنتظر تفاهما داخليا يشعر معه كل طرف بان حصته مضمونة بالعدل والقسطاس.
– ان هذين الطرفين، وان عرقلا طريق المبادرة، فانهما يعتبران في المقابل انهما حققا نجاحا في هدف آخر وضعاه نصب اعينهما منذ انفجار الكلام على المبادرة وهو حفظ النائب فرنجيه، فمارسا عملية ضبط اعصاب واعطيا المبادرة وفرنجيه فرصتهما كاملة قبل ان يجاهرا بموقفهما ويتواصلا مع فرنجيه واضعين النقاط على الحروف ومفصحين عن دواعي الارتياب التي حالت دون مماشاته في رغبته بان يجلس على الكرسي الذي سبقه جده اليه عام 1970، فحول الزعامة الطرفية الى زعامة اشمل واوسع.
في الحصيلة عاد فرنجيه من لقاءيه مع حليفيه عون ونصرالله وهو يغالب شعورا بالمرارة من اداء هذين الحليفين اللذين حرماه فرصة بدت سانحة، ولكن ايضا باحساس فحواه ان هذين الحليفين اشعراه في مكان ما انه هو البادىء بالخطأ كونه قارب العرض بخفة لم تأخذ في الحسبان كل المعطيات والظروف والحسابات الداخلية والاقليمية، مكتفيا بالاعتقاد انه يمتلك حق «المونة» على حلفائه وهو الذي ما بدل في قناعاته يوما تبديلا.وبمعنى آخر، ودائما بحسب الدوائر عينها، فان النائب فرنجيه احيط علما من الطرفين بان الوضع الداخلي والخارجي اعقد واثقل عليه من مسألة تسلمه الرئاسة الاولى، فالزمن غير الزمن الذي اتى بجده من زغرتا الى قصر بعبدا في عملية انتخاب تجزم كل الادبيات السياسية انها كانت اول عملية انتخاب في تاريخ الرئاسة اللبنانية تتم من دون تدخل او تأثير خارجي، اذ كان العالم العربي غارقا في لجة هزيمة حزيران عام 1967، والوضع مختلف تماما الان فالانقسام العربي عمودي والصراع حاد وقاس واي خطوة لها تداعياتها واثارها على الجميع.
ثمة من يرى ان فرنجيه خرج من اللقاءين وفي نفسه شيء ما ورغبات مضمرة، بدليل انه عاود التواصل مع الرئيس الحريري، لكن ذلك على اهميته لا يعني اطلاقا ان الطرفين قلقان من قدرة فرنجيه على المضي قدما في ما بدا ان همهما كان حساباته ورهاناته.
واذا كان «حزب الله» ايقن ان ادارته للحدث برمته قد نجحت تماما، فالواضح ان آمال قيادة «التيار الوطني» عادت لتنتعش مجددا انطلاقا من اعتبار ان التجربة التي لم يمر عليها الزمن اثبتت ان عون هو الرقم الصعب.