عماد مرمل
بمعزل عن الالتباسات التي أحاطت باللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس، فإن الاكيد هو ان اسهم رئيس «تيار المردة» ارتفعت في البورصة الرئاسية مؤخرا، لا سيما مع اتساع التداول بـ «التسوية الشاملة» التي اكتسبت زخما قويا من مبادرة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الداعية الى اعتماد خيار «السلة المتكاملة» العابرة للملفات الخلافية الاساسية.
وإذا كان انفتاح الحريري على «المرشح الشمالي» والمرفق بمشاورات مع الحلفاء، قد أعطى انطباعا بأن تسوية داخلية ما، هي قيد النقاش حاليا، على قاعدة انتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية وتسمية الحريري رئيسا للحكومة، إلا ان بعض العارفين يعتبرون انه لا يزال من المبكر الرهان على معادلة من هذا النوع، ناصحين بعدم المبالغة او التسرع في التوقعات، للأسباب الآتية:
ـ ان تجربة الحوار التي سبق ان خاضها الحريري مع العماد ميشال عون لم تكن مشجعة، بل اقتصرت وظيفتها على تقطيع الوقت، وبالتالي لا شيء يضمن عدم تكرار السيناريو ذاته مع فرنجية الذي تبدو خياراته وتحالفاته، الداخلية والاقليمية، أكثر راديكالية من تلك التي يرتبط بها الجنرال، وبالتالي فان التفاهم بين زعيم «المردة» وقوى «14 آذار» قد يكون أصعب.
ـ ان اي صفقة داخلية هي في نهاية المطاف انعكاس للتسوية الاقليمية الكبرى التي لم تنضج بعد، ما يعني انه من السابق لأوانه الترويج لمعادلة فرنجية ـ الحريري قبل ان يتحقق التفاهم او اقله التقارب السعودي ـ الايراني الذي لم تظهر مؤشراته في الأفق السياسي، حتى اليوم.
ـ ليس معروفا ما الذي قد يدفع السعودية الى الموافقة أصلا على انتخاب احد «أصدق» حلفاء الرئيس السوري و «حزب الله» رئيسا للجمهورية. وإذا كانت الرياض تسعى بكل ثقلها الى إضعاف إيران في المنطقة وإسقاط بشار الاسد في سوريا، فلماذا تقبل بوصول حليفهما الاستراتيجي في لبنان الى الرئاسة؟
ـ ان فرنجية المعروف بثوابته الصلبة، ليس بوارد التراجع او التنازل عن أي منها في مقابل حصوله على رئاسة الجمهورية، تحت شعار «المرشح التوافقي»، وإن يكن مستعدا لإبداء أعلى قدر ممكن من المرونة في نمط سلوكه حيال الفريق الآخر.
ولكن.. أين الرابية من تقارب الحريري ـ فرنجية، ومفاعيله الرئاسية المحتملة؟
يؤكد بعض الذين تسنى لهم لقاء عون خلال الايام القليلة الماضية ان الرجل مرتاح وهادئ الى اقصى الدرجات، وانه يتعامل مع التطور المستجد بأعصاب باردة من دون اي توتر او عصبية، خلافا للاعتقاد الشائع لدى العديد من الخصوم.. والاصدقاء.
أكثر من ذلك، يُنقل عن عون قوله: في حال استطاع سليمان فرنجية ان يحوز على الاصوات النيابية المطلوبة للوصول الى رئاسة الجمهورية، فأنا سأبارك له، وسأعتبر نفسي رابحا كذلك.. ويضيف: فرنجية هو من الأشخاص الذين تتوافر فيهم مواصفات الرئيس القوي، ونحن نتشارك في القناعات والخيارات الاستراتيجية ذاتها، فهنيئا له الرئاسة إذا استطاع تأمين نصاب الحضور والتصويت لانتخابه، وواهم من يعتقد انني يمكن ان أفوّت عليه فرصة من هذا النوع..
إنما، والى جانب هذا الموقف المبدئي للجنرال، هناك بين المقربين الى عون من يبدو متأكدا من ان الحريري ومرجعيته الاقليمية ليسا بوارد الموافقة على وصول فرنجية الى قصر بعبدا، وان الاشارات الايجابية الصادرة حياله تندرج في سياق المناورة السياسية التي تكاد تكون مقتبسة عن المناورة السابقة التي أريد من خلالها إيهام عون بأن الحريري مستعد لانتخابه، قبل ان يتبين لاحقا ان ما أوحى به رئيس «تيار المستقبل» لم يتعدَّ عمليا الإطار التكتيكي الظرفي.
وتعتبر شخصية مسيحية مؤيدة لعون ان انفتاح الحريري على فرنجية إنما يشكل بالدرجة الاولى رسالة سلبية لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع انطلاقا من اعتبارين اثنين:
أولا، ان زعيم «تيار المردة» يمثل نقيض جعجع، بدءا من ثنائية بشري ـ زغرتا في الشمال وصولا الى الخيارات الكبرى على مستوى لبنان والمنطقة. وثانيا، ان موقف الحريري يحاول ان يعيد رئيس «القوات» الى حجمه الطبيعي بعد مرحلة من الانفلاش.
ولكن، ماذا لو قرر جعجع ـ الشهير بانقلاباته ـ ان يخلط الاوراق فجأة، فيتفاهم مع عون على قانون انتخاب وفق النسبية الشاملة او يعلن عن الاستعداد لانتخابه رئيسا، وفي الحالتين يكون قد أحرج الحريري؟