المتروبوليت  بولس صليبا

« … أنا الأسير في الرب أطلب منكم أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها…
متحملين بعضكم بعضاً في المحبة… جسد واحد وروح واحد، رب واحد، إيمان واحد،
معمودية واحدة، أله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم…»

يكتب الرسول بولس هذه الرسالة إلى مؤمني أفسس بينما كان في السجن في رومية. « أنا الأسير في الرب». اُدخل السجن ليس لأنه سار في مظاهرة ولا لأنه عمل ضد السلطات ألخ… بل لأنه بشّر بإنجيل يسوع المسيح. اوقفته السلطات في أورشليم حيث اتهموه بأنه يبشّر ضد السطلة الرومانية وضد الناموس، ضد البلاد، حتى أنه سمح للوثنيين بالدخول إلى الهيكل. ففي إصحاح (أعمال الرسل 21: 28) يكتب: « إيها الإسرائيليون انتبهوا. هذا هو الرجل الذي يُعلم الجميع في كل مكان ضد الشعب والناموس وهذا الموضع (الهيكل) ودنّسه. بعد أن أوقفوه، سجنوه وضربوه بقصد قتله « لأن جمهور الشعب كانوا يتبعونه صارخين اقتله « (أعمال 21: 36).

توجّه الرسول إلى القائد الروماني الذي اُرسل للتحقيق معه وليرى الضرر الذي سببه، كما ادعت السلطات المحلية، فقال له بأنه مواطن روماني. خاف القائد من أن يقتلوه بثورتهم ضده وتعصّبهم الديني، فيُعتبر القائد مسؤولاً عن الموت اللاقانوني لحامل للجنسية الرومانية. نرى ههنا بيلاطساً آخر، غسل يديه من بولس وأرسله إلى سازريه حيث يقيم المسؤول الروماني على ولاية فلسطين. بقي الرسول هناك في السجن لمدة سنتين. حان الوقت للدفاع عن نفسه. طلب أن يُحاكم أمام القيصر لأنه روماني الجنسية « أنا واقف لدى كرسي ولاية قيصر حيث ينبغي أن أحاكم. لم أظلم اليهودي بشيء… لأني إن كنت آثماً أوصنعت شيئاً يستحق الموت فلست أستعصي عن الموت. ولكن إن لم يكن شيء مما يُشكي به هؤلاء فليس أحد يستطيع أن يسلمني لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواي… إلى قيصر تذهب «أجابه القائد» (أعمال 25: 10- 12).

لم يكن بولس خائفاً على نفسه. لم تكن نتيجة محاكمته تهمه، كانت أفكاره وخوفه ونفسه مع المسيحيين الذين قبلوا تعليمه في أماكن مختلفة. الموضوع الأهم بالنسبة له كان وحدة المؤمنين بالمسيح يسوع. لذلك كتب إلى أهل أفسس ما يلي في (4: 3) « مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام «. الحاجة الأهم للكنيسة هي وحدتها في المسيح لذلك نرى السيّد وتلاميذه يتكلمون بكثرة عن وحدة مؤمني الكنيسة. قبل أسبوع آلآمه صلى السيّد لأبيه السماوي من أجل وحدة المؤمنين « ليكون الجميع واحداً كما أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا « (يوحنا 12: 21).

وكتب الرسول للمسيحيين الاُول راجياً أن يُحافظوا على وحدتهم. أن الإنقسامات تحمل الهدم والإبتعاد. قال السيّد في هذا الموضوع في (متى 12: 25) «… كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، ولك مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت».

لا شك بأنه من الواجب الحفاظ على الوحدة الكنسية السرية، والويل للذين يُسبِّبون الخلافات والإنقسامات في الكنيسة. يتكلم آباء الكنيسة بحكمة وانتباه عن وحدة الكنيسة. أحد الآباء الأولين القديس إغناطيوس، خصص رسالة كاملة مُظهراً الثمار الجيدة التي تعطيها الوحدة المسيحية. كونه أسقفاً متقدماً في السن، أسقف إنطاكية، سيق إلى رومية ليُطرح طعاماً للحيوانات الجائعة في أحد ملاعبها. عندما وصل موكبه إلى تراوه، استطاع أن يكتب رسالة إلى مؤمنين فيلادالفيا، متوسلاً إليهم أن يبقوا متحدين حول أسقفهم، كهنتهم وشمامستهم. ويُضيف، إن هذا التعليم ليس تعليمه الشخصي، لكنه موحى به من الروح القدس. « يشهد لي الله بأني من أجلهم أنا مقيّد ومعلوماتي ليست من إنسان».

يحب الله الوحدة ويبتعد عن الإنقسامات. كن تلميذاً للمسيح يسوع. « فكونكم أولاد النور والحقيقة، ابتعدوا عن الإنقسامات والتعاليم الكاذبة؛ إذ أنه حيث يكون الراعي، هناك كونوا كغنم. يوجد ذئاب كثيرة تظهر بثياب حملان، لكن هدفهم إبعاد المؤمنين عن الحقيقة الكتابية واستعبادهم. لكن وحدتكم ستمنع هذه الأمور من التحقق».

أيها الأخوة، الوحدة هي نتيجة طبيعية للمحبة. من لا يُحب ليس لديه النعمة والتواضع. « بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة « (أفسس 4: 2). إذا خسرنا المحبة، خسرنا الوحدة. الإيمان مبني على المحبة. والمحبة هي بداية الإيمان. يقول الذهبي الفم « كل شيء يصبح كما يجب، إذا آمنتم بالمحبة «.

صُموا آذانكم لمَن يُعلِّمون تعاليم كاذبة. إنهم فارغون بدون محبة المسيح وكنيسته. يدّعون بأنهم وحدهم تلاميذه، لكنهم في الواقع يهدمون كنيسته.

كتب الرسول بولس إلى أهل أفسس يقول: « البسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البِرِّ وقداسة الحق».

آميـــــــــن