أطلّت سالي جريج بعد غياب سنة لتتوّج فاليري أبو شقرا ملكة جمال لبنان. سألتها ديما صادق عما تغيّر، فأجابت أنّها على الصعيد الشخصيّ مُقبلة على الزواج القريب. مرَّ الحفل على هيئة ما سبق لرلى سعد أن قدّمت في «ستار أكاديمي»، وانتهى من دون دهشة وإن حملت شابتان دفعة واحدة لقب «الوصيفة الأولى».
يُشكَر جهد «أل بي سي آي» في نقل الحفل سنوياً برعاية وزارة السياحة، لكنّ الحدث في عامه العشرين لم يحمل تميُّزاً يُنتَظر. اللجان، كما دائماً، تبتكر أسئلة في جلّها مضحكة أو مثيرة للضجر، فإذا بالمشتركات لا يخيبن الأمل في سوء الإجابة. رُجِّح اسم فاليري أبو شقرا قبل تتويجها باللقب، وقد صَدَقت التوقّعات. الجمال أذواق، ولسنا نقوّم الشابة على حُسن الإطلالة وانسياب الجسد. ولا على الأداء الراقص لزوم ما لا يلزم في المسابقة.
ننظر إلى الملكة بما تحمله من قدرة على فَهم الأوضاع. في لبنان أزمات ومِحن وأوجاع، فلا يمكن الملكة أن تطوف على السطح. لا بدّ من بعض العُمق وبعض الاطلاع. السؤال الموحّد هو الأسهل: «أي مطلب تتبنين كملكة جمال لبنان وتنزلين من أجله إلى الشارع؟». الجواب حاضر: النفايات والماء والكهرباء، وإن جادت أخرى في إلغاء الطائفية السياسية وانتخاب رئيس. حفلُ نظريات. لكنّ راغب علامة اختار لمُشاهدي الجمال أغنية تقول كلماتها: «لازم نتوحّد لنعيش من كلّ الأديان/ لو عَالشوك وعَالريش بيجمعنا لبنان»، وإذ سألته صادق بعد انتهاء وصلته عن نصيحة يقدّمها إلى الشباب الهارب من أوطان الخيبة، نَطَق بإجابة تستدعي بسمة عريضة: «وهل يجرؤ الشباب اللبناني على الهجرة» (أو شيء من هذا القبيل)، فتحمّست صادق لعمق الإجابة واحتارت أين تضع المايكروفون ليكتمل التصفيق. ملأ علامة المسرح درساً بالوطنية، كأنّه من ضرورات مسابقة الجمال مديح أكذوبة الوطن. في كلّ مرة نُطالب المسابقة بالتخلّي بعض الشيء عن الزيف والحدّ من تضخيم الأسطورة اللبنانية رغم الحاجة إلى الأمل، ولا مَن يسمع. ثمة أحياناً ذلك الفصام بين قسوة الواقع وخلجات الشِعر. وقفت المتظاهرات يُنشِدن بما يُشبه كورال مدارس الطفولة: «بتتلج الدني، بتشمّس الدني، ويا لبنان بحبك تتخلص الدني».
كان ذلك أفضل من لجنة لا تجيد بغالبيتها طَرْح الأسئلة ومشتركات غارقات في الجواب الجاهز والفكر المُسطَّح. أما النكتة، فهنا: متقدّمات إلى مسابقة ملكة جمال لبنان لا يجدن العربية ولا يملكن سُبل التعبير بها! رقَّ قلب صادق للوضع المزري، وبرّرت للمُشاهد بأنّ مشتركةً يُفتَرض أن تمثّل لبنان لا تملك فصاحة لغته! اضحَكْ وتسلَّ. لم يأتِ الحفل بما يُدهش، وإن عدّلت صادق بعض الشيء نبرة الحنجرة. 14 شابة يتفاوتن في الجمال ويتوحّدن، تقريباً، في انعدام الثقافة، كرّسْنَ المسابقة مساحة سنوية لعبور أنثوي لم يكلّف نفسه بَذْل الجهد للتطوُّر. العلّة في اللجان التي تضع نفسها أمام خيارَيْن: اجترار الكليشيات الوطنية أو تعمُّد صعوبة السؤال. كادت زينة قاسم أن تغفو بينما تطرح على أبو شقرا السؤال. لفٌّ ودوران ولم يُفهَم القصد، فرَمَت الشابة جواباً عن ضرورة مَنْح المرأة ثقة في الشأن العام، فنالت التصفيق الحار. لم تخرج المسابقة عن كونها عرضاً لأزياء زهير مراد وتأكيداً على أنّ الجمال اللبناني والثقافة، غالباً، لا يلتقيان. نقدّر كلّ رغبة في جَعْل لبنان بلداً أفضل. نقدّر الرقص والأغنيات والدي جاي في بداية السهرة. ونتفهّم حاجة وزارة السياحة إلى إخراج حدث جمالي يُسقِط صورة لبنان المطمور في نفاياته ويستحضر إلى أرجائه سياحاً لم ييأسوا بعد. كنا ننتظر حفلاً يعيد إلى المسابقة حضوراً مفقوداً. لم نشاهد سوى المحاولات.