By Hani Elturk OAM
بقلم هاني الترك
هذه مراجعة كتاب يحمل عنوان: تسعون دقيقة في الجنة 90 Minutes in Heaven من تأليف القس دون بايبر Don Piper .. وهذه قصته:
بتاريخ 18 كانون الثاني / يناير كان دون يقود سيارته على جسر مرتفع فحدث له اصطدام رهيب تداخلت على اثره اعضاء جسده مع اجزاء السيارة حتى ان المارة غطوه ببطانية لعدم رؤية المنظر المروع.. واكد وفاته رسمياً عناصر الاسعاف. ولم يكن دون على علم في تلك اللحظات بأي شخص حوله وملابسات الحادث حيث فقد وعيه تماماً نتيجة الوفاة.. ولكن فوراً وفجأة وجد نفسه على بوابة الجنة.. ومع ان وفاته اصبحت في حكم التأكيد اذ اصبح جثة هامدة بلا روح او حياة الا ان واعظاً اسمه ديك هرع ليصلي على الجثة.. ورفض ان يتوقف عن الصلاة.. واستجاب الله لصلواته.. فبعض قضاء دون 90 دقيقة في الجنة عاد الى الارض.. فماذا رأى في الجنة خلال تلك الدقائق التسعين؟
لم يشعر دون بحركة انتقالية الى الجنة ولكن وجد نفسه فجأة على بوابتها.. رآها مشعة بالانوار الساطعة.. ولم ير يسوع المسيح.. ولكن رأى الجموع من الناس الذين يعرفهم على كوكب الارض مندفعة نحوه.. وعرف ان جميعهم قد فارقوا الحياة قبله اثناء وجوده على الارض.. ورحبوا به ترحيباً عظيماً.. فرأى اقاربه المقربين يحضنونه ويعانقونه.. ورآهم في اشكالهم الطبيعية كما كانوا على الارض.. وشعر دون بالفرح الشديد لإعادة شمله معهم. ولم يفكر في كيفية وصولهم الى الجنة.. لأنه كان غارقاً في سعادة جمة في الجنة.. فكل شيء بدا حوله كاملاً والجميع في غاية في السعادة.. وقد شعر انه في خضم ابعاد اخرى من الوجود.. (وهذا ما تؤكده قراءاتي المستفيضة في العلوم وفي الروحانيات اذ ان الولوج الى هذه الابعاد السرمدية هي غير الابعاد التي ندركها على الارض ولا نشعر في الابعاد السرمدية الا بعد الانتقال الى الحياة الاخرى في تلك الابعاد المختلفة).. وحدّق دون في الوجوه التي حوله وادرك انهم جميعاً قد اسهموا في ايمانه بالمسيحية وشجعوه للنمو في الايمان ليصبح مؤمناً.. وشعر وهو يتقدم الى الامام بالروع والخشوع الى الله ولم يكن يعلم ما الذي سيحدث بعذ لك.. ولكن كان يحس بأشياء عجيبة مدهشة ورائعة تنتظره.. وهنا سمع صوت الموسيقى السماوية:
ان الموسيقى السماوية التي سمعها وصفها بأنها اجمل واعظم واروع موسيقى سمعها في حياته او تصورها في مخيلته.. املأته ورعاً ومحبة ورهبة.. وما كان يريد اي شيء سوى الاستماع اليها.. حيث كانت مصحوبة بأصوات المؤمنين ترتل وتمدح الله العظيم.. ويسوع المسيح كملك الملوك واعماله المدهشة للبشرية.. والترانيم الدينية كما يقول دون دخلت في كيانه حتى اصبح جزءاً منها.. فهي تضفي السعادة والفرح والكمال.. ولا يجد الكلمات التي يمكن وصفها بها.. فقد شعر انه في الحضور الالهي وانتابه احساس انه طالما في حضرة الله لا يريد الرجوع ثانية الى الارض لأن الحياة الارضية جوفاء وخالية من المعنى لو قورنت بالفرح السماوي في الجنة.
كل شيء في الجنة مشع ومضيء بألوان لم يشاهدها على الارض حتى ان الانسان الارضي لا يمكنه استيعاب تألقها واشراقها.. واقترب دون من داخل البوابة مع المرحبين به.. ولم يكن يعرف طبيعة تحركه وهو يتقدم مع الجموع.. فيما اذا كان يسير او يطفو او يطير وكل ما يعرفه انه يتقدم وازدادت انغام الموسيقى والاصوات المرتلة جمالاً ومتعة.. وتقوي احساسه بالحياة والشعور بالسعادة القصوى.. حاول دخول البوابة اذ كان يدرك انه سوف يصاب بالإثارة السرمدية التي لم يمر فيها من قبل.. ولكن تغيّر الوضع فبدلاً من مجرد مستمع الى تعظيم الله بالتراتيل الدينية والموسيقي وجد نفسه جزءاً من الجوقة المنشدين.. فقد وصل الى مكان كان يتمنى ويطمح الوصول اليه طيلة عمره.. وبينما يحدّق فيما يحدث حوله فجأة وجد نفسه يغادر بوابة الجنة ويعود الى الارض.. لقد امضى 90 دقيقة كانت امتع شيء عاصره في الوجود.
عادت ودبّت الروح في دون ووجد نفسه في المستشفى يخضع لعدة عمليات جراحية.. وعانى من الآلام الحادة اذ مكث في المستشفى 18 شهراً للعلاج.. ومن شدة عذابه وتوقه الى الجنة كان يطلب من الله ان يميته ويخلصه من اتون نار الحياة الارضية ويعيده الى وطنه الاصلي (الجنة).
اصيب بالاكتئاب النفسي لطيلة فترة علاجه في المستشفى.. ولكن كان يرفض تلقي العلاج النفسي للإكتئاب.. ولسبب هام جداً هو انه لم يرد ان يقص تجربته في الجنة على اي مخلوق.. اذ اعتبر تلك التجربة هي امتياز خاص وهبة من الله له.. ولم يحن وقت الكشف عنها بعد.. وغير ذلك فربما ان بعض الناس يظنون انه قد اصبح احمقاً او مخبولاً بسبب حادث الاصطدام الذي وقع له.
بعد خروجه من المستشُفى اصبح دون عاجزاً عن الحركة الطبيعية وجليس كرسي المقعدين.. وذات مرة اخبر دون الواعظ الذي كان يصلي له بحرارة بعد وفاته في الحادث بان يحيا واثناء وجود دون في ذات الوقت في الجنة حيث لم يكن يعلم ديك قبل ذلك الوقت بالتجربة المهولة.. اخبره بحقيقة تجربته في الجنة.. اصيب الواعظ ديك بالذهول وطلب منه ان يكشف عن السر الرهيب للرعية في الكنيسة.. واقتنع دون انه حان وقت اعلام المؤمنين والملحدين بتجربته.. ومن غرائب القدر بل ومن احاكم الله على البشر توفي بعد ذلك ديك وسبق دون الى الجنة.. فقد كان ديك انساناً ورعاً مؤمناً اميناً.. ولا بد انه الآن موجود في الحياة الابدية. وبعد ذلك عرف الناس بقضيته وتهافتت عليه وسائل الاعلام للتحدث عن قصته.. وعاد دون الى الوعظ في الكنيسة والجميع يسأله عن تجربته في الجنة.. وهو لا يعرف لماذا اختاره الله ان يمرّ بهذه التجربة الرائعة.. واسباب معاناته الفظيعة من الآلام.. فإن الله له احكامه على ابناء البشر.. وكل فرد امامه رسالة يجب ان يقوم بها.. ولكنه يقول انه تعلم ان الصلاة لها تأثير عميق على مصائر البشر.. ويتذكر دون ما جاء في انجيل يوحنا الذي يقول:
ان يسوع المسيح قد اشفى رجلاً اعمى فذهب الرجل يشكر الله.. ولكن شفاءه كان احراجاً للزعماء الدينيين الذين كانوا يثيرون عامة الشعب ضد يسوع.. وطلبوا من الرجل الاعمى الاعتراف بان يسوع المسيح هو شخص خاطىء.. ولكن الرجل قال بحكمة «لست ادري فيما كان خاطئاً ام لا ولكن اعرف شيئاً واحداً وهو اني كنت اعمى وانا الآن ارى».
ويقول دون ان الذين يظنون ان قصته هي ضرب من الهلوسة والجنون بسبب الآلام في الحادث الذي وقع له انه لا يود الدفاع عن نفسه وعن تجربته فكل الذي يعرفه هو التجربة التي مرّ بها في الجنة انها حقيقة.. والجنة حقيقة واقعة..
ويتوق العودة اليها بعد انتهاء حياته على الارض.. الى موطنه الاصلي وموطن المؤمنين بالجنة.. وينتهي كتابه بالقول: «يا ايها الورعيين الاتقياء سوف اراكم هناك».