زهير العامري – سدني
ضجت وسائل الاعلام العربية والعالمية بحادثة اللاجئين السوريين ولاسيما صورة الطفل السوري(الآن ) الذي قضى غرقا في بحر «ايجه» التركي وتعاطفت الدول ومنظمات حقوق الانسان العالمية مع هذا الحادث المأساوي الذي هز الضمير العالمي وهو حدث بلا شك يستحق الاهتمام.
ولكن هناك مئات الاطفال الذين هم بعمر «الآن « يموتون بطريقة ابشع من الغرق ولا تجد من يسأل او يدين او يستنكر ولا تزال صور اشلاء اطفالنا في غزة والعراق واليمن وسوريا تغطي شاشات قنوات العالم. كل يوم نزف افواجاً من الاطفال والشباب نتيجة القصف والتفجير ولم نسمع صوت اي مسؤول اوروبي او اسيوي او افريقي اوعربي يستنكر هذه الاعمال الاجرامية بحق الابرياء من الاطفال والنساء.
في بداية التسعينيات من القرن الماضي وصلت قوافل اللاجئين الى استراليا بواسطة القوارب واغلبهم من بلدان العالم الثالث التي انهكتها الحروب والصراعات وفي مقدمهم العراق وافغانستان، واطلقت وسائل الأعلام الأسترالية تسمية (لاجئي القوارب)على هذه المجاميع البشرية. وكنت احد هؤلاء الذين منَّ الله عليهم بسلامة الوصول الى استراليا بعد رحلة الموت التي استغرقت خمسة ايام وهي أخطر مجازفة في حياتي منذ ان ولدت الى يومنا هذا، لأننا ابحرنا بقوارب بدائية صغيرة لا يصلح الابحار فيها في الانهار الصغير ولا حتى المياه الراكده، فكيف بنا ونحن نشق عباب المحيط وتتقاذفنا الامواج العاتية وترافقنا اسماك القرش المفترسة وحيتان المحيط في رحلة مجهولة لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى .
اما سماسرة البشر وتجار الموت وعديمو الضمير فليس لهم هم سوى جمع المال حتى وان كان الثمن هذه الارواح البريئه.
بعد ان وصلنا المياه الاقليمية الأسترالية، لاحت لنا في عرض البحر سفينة من بعيد واذا هي فرقاطة عسكرية استرالية عليها علم استراليا، استبشرنا خيرا وتعالت اصواتنا واختلطت اصوات الاطفال والنساء والرجال ونحن نلوح الى قبطانها الذي غير مسارها اتجاهنا ونزل منها بعض الجنود الذين وصلوا الينا بواسطة زوارق عسكرية صغيرة.
تحدث معهم احد الاخوه العراقيين الذي يجيد اللغة الإنجليزية وعرفهم بأن ضيوفهم الغير مرغوب فيهم هم من اللاجئين العراقيين والافغان.
وخلال ساعات قليلة ونحن على متن القارب ننتظر، تمّ نقلنا جميعا وكان عددنا160 لاجئاً ونحن من اوائل المجموعات التي وصلت ووضعنا في حجز مدينة (وميرا) الواقع في ولاية ادلايد.وكان هذا في اواخر عام 1999.
في نفس اليوم الذي ابحرنا فيه صوب استراليا، غرق زورق صغير فيه حوالي26 لاجيء عراقي من النساء والاطفال في المياه الإقليمية الإندونيسية وقذفت بجثثهم امواج المحيط في جزيرة (روتي).
أننا كعراقيين اول ضحايا البحار والمحيطات ولا زالت جثثنا تملأ بطون الحيتان واسماك القرش، وما من سفينة غرقت في بحر او نهر او محيط الا وللعراق حصة الأسد فيها من اطفالة ونسائه ورجاله. ان الدول التي تتباكى على ضحايانا الذين غرقوا في البحر هي التي شجعت الارهاب والجريمة في بلداننا ، وهي التي دعمت الانظمة التي اضطهدتنا .ان هذه الدول التي استقبلتنا ضيوف ووفرت لنا ولعوائلنا سبل العيش الرغيد لا سيما استراليا ، نحن مدينون لها ولكن يبقى الوطن الأم الذي يقول فيه الشاعر.
(بلادي وان جارت عليّ عزيزة)