كمال براكس – سيدني

الدعوات من اجل سكينة النفس، لا ينبغي ان تكون بالهرب الى برج عاجي من عباب الحياة، وانما غايتها التوازن الباطني الذي يُمًكِّننا بالتغلب على صدمات الحياة، ومن المؤكد والمحقق اننا لا نجد السكينة بالجري وراء المال الذي يفلت كالزئبق من بين اصابعنا، ولا في الحب الانساني، وخلال تبادله العاطفة مما يوهم الانسان انه فاز بالسعادة العامة.

فكثيراً ما نعامل انفسنا معاملة اصرم واحفل بروح الاqنتقام من معاملتنا للغير، ومن الادلة المتطرفة على هذا «الانتحار» وغيره من تحقير الذات مثل «ادمان السكر والمخدرات والفجور»، ثم لا يحصى من الوسائل التي نظهر بها إزدراءنا لانفسنا اكثر مما نظهر احترامها، فهناك مثلاً احساساتنا بالنقص وما اكثرها.

ولمن يسير في الحياة، وقد سيطر عليه اعتقاده ان به نقصاً فأقول له، ان هناك من يحبونك ويوقرونك كما انت، فانزع هذه النظارات السوداء، واتخذ مكاناً نداً لغيرك من البالغين الراشدين، واعلم ان قوتك كافية لمواجهة مشاكل عالمك هذا.

وهناك طريق آخر لاحترام الذات، وذلك ان نتقَّبل عيوبنا كما نتقبَّل مزايانا، ومن الناس عنده صورتان لنفسين في غرفتين منفصلتين، ففي احدى الغرفتين تٌعلق صور الفضائل بالوان قوية وضَّاءة، وفي الغرفة الاخرى صورة يتمثل فيها الاتجاه باللوم على الذات، وهي مرسومة كالأخرى رسماً غير مطابق للواقع بألوان قاتمة سقيمة.

فالانسان الطبيعي يعاني مخاوف وهموماً لا تحصى، ولكن من الممكن التغلب عليها، وان الانسان اوتي نعمة القدرة على معرفة الخوف، فان الخوف الذي يشعر به الانسان عند الخطر الحقيقي مرغوب فيه، ولكن اليس معظم مخاوفنا لا اساس لها، والقلق الشخصي، فنحن احياناً نخشى على صحتنا، ونقلق على قلوبنا وضغط دمنا وارقنا ويعترينا القلق على شخصيتنا ونشعر بالتزعزع، وعدم الثبات ونحزن على ما نحن فيه، ونتوهم ان الغير يحتقرونا او لا يرضون عنَّا.

ويتبرأ عدم الثقة بالنفس في صورة خوف من الاماكن المرتفعة او الغرف المغلقة، وأحياناً تَتَخفَّى مخاوفنا في ثياب الالم الجسماني، وقد اظهر علم الطب النفساني الجديد، ان سلسلة طويلة من الامراض مردُّها الى متاعب نفسية وعقلية لا بدنية.

والخوف ليس الا امتداداً لتجربة قديمة سابقة حين عاقبنا احد الوالدين واغلق علينا الغرفة وتركنا وحدنا فيها، ومن بواعث الامل ان هذه الحالات لا تلبث حتى تزول، ومن الطبيعي ان نعاني الخوف على مستقبلنا الاقتصادي والاجتماعي، وما اكثر من تفزعهم البطالة، وهذه المخاوف حقيقية جداً، فقد بات للرجل بيت ومال واسرة جميلة، ويجد ان كل هذه الاشياء جيدة، لان عدائين آخرين تقَدَّموه في السباق من اجل الماديات، وليست المسألة انه لا يملك الكفاية لحاجاته ومطالبه، وانما هي ان غيره من هو اكثر «فالاكثر» تحمله على التقليل من شأن ما ادركه هو.

ونحن نعلم ان العواطف المكظومة تثأر لنفسها آخر الامر في صورة مرض عقلي او بدني.

ان كظم عواطف الخوف قد يفضي الى رد فعل مرضي وفيما بعد، عند فقد عزيز او حبيب، فان اطلاق عاطفتك هو الذي سيكون وسيلة شفائك فيما بعد، ومن الجوهري الاعراب عن الحزن لا كظمه، والتحدث بما اصيب به الانسان مع الاخوان والرفقاء، والانتقال خطوة خطوة من الفقر الى النشاط مرة اخرى.

وانه لنادر ان نؤتى الشجاعة اللازمة، لمواجهة فكرة فنائنا غير ان الانسان لا يُعدَّ حراً في الحياة، الا اذا كان ايضا متحرراً من الخوف ومن الموت، وما افقر الانسان الذي لا يعيش الا في زمانه.