الجواهري في سدني، ويغرفُ الضوءُ ملحَ الجبال، يسرج غمامةً بيضاءَ فوق الباسيفيك ومنديلاً يلوّح لمنارات الشرق.
جئت هذا المساء اصافحُ الجواهري استعيد اقانيمه قبلةً لأسفاري.
جئتُ اسكن في قصيدته، أرصد النجوم لأنعمَ بنور الصباحات، وجئتُ انثر رماد مقبرةِ الغرباء اجنحة تكسر الصمت وتحطم الأغلال.
ألمح أبا فراتٍ متألقاً في بيروت وساهراً في براغ ومتحرّقاً في القاهرة ومشتاقاً في عمّان وقريرَ العين في دمشق، ليغافلني وجههُ اليوم في سدني، يلملم الضوءَ سطوراً يعلقها ثريات في سماءِ غربتنا.
باسمه اليوم اسلِّمكم علبة بريده، باسمه احييكم حرفاً من قصيده، وباسمه انشرُ فستان النخيلِ الأخضر مروحةً تنعشُ الصدورَ وتجفّف دموع الاحداق.
وباسمكم جئتُ أرسم طريق الفجرِ الى الرافدين، أستلّ سيفَ الجواهري حبّاً وشعراً وتحيةً للعراق.

أنت العراقُ وغصن النخل ميّاد
نبعُ القوافي واهل الشعرِ روّادُ
تهفو مراياك اشواقاً الى نجفٍ
أغوتْ مواعيدَ  الضوء  فيه اعيادُ
في غربة القبر ترتدي هوى وطنٍ
أُبعدْتَ عنه وعين الظلم إبعادُ
أبا فراتٍ اليكَ الشعر ارفعه
والحرفُ في ساحة الفردوس ينقادُ

في نينوى باتت الازهار ذاويةً
والسهل تغشاه نيرانٌ وأحقادُ
والموت في الموصل ازدانت بيارقه
باتت يباباً وضاعت فيها امجادُ
دمعُ الرياحين ما عدنا نعصره
وبابل العطر اسيافُ واصفادُ
بالله قمْ واسأل الأسحارَ عن قمرٍ
أين  النجيمات في النهرين تصطاد؟

أبا فراتٍ مضتْ في الريحِ أشرعتي
والقهر باخرتي والموت قوّادُ
قيثارتي الشعر والجواهري أبي
علّمتني النظمَ لكن جُنّتِ الضاد
علّمتْني كيف أتي الشعر اغمرُه
في رافديكَ نجيعَ الحبِ ارتادُ

أين القوافي وبات الدمعُ محبرةً
تروي القبورَ التي ابناؤها ازدادُوا
يمّم بيمناكَ اقلاماً نقدّسها
وامنح قوافيك قوماً مجدها شادوا
اين العراق الذي الفَيتَه درراً
اين الفرات الذي يحدوه صياد
طارت بسيدني للقياك اجنحةٌ
ذكراكَ  وعدٌ وابيات وإنشادُ
بيروتُ امي وفيها الضوء مملكتي
بيتي العراقُ ودارُ الحبِّ بغدادُ