«كثيراً ما اتحفتنا الشاشات العربية بأعمال درامية تتناول البيئة الشامية بعين واحدة، تُقدمها كما ترغب المحطات وتشتهي، فجاء أغلبها أقرب إلى العمل الفولكلوري الاستعراضي الذي يجمع بين حناياه مجموعة من الخصائص المغرية للمشاهدة إن كان عبر الإغراق في المحلية والتعرف على تفاصيل هذه البيئة كالبيوت الدمشقية والأزقة والحارات القديمة، أو لما تحمله من دفء وحميمية وعادات وتقاليد وطقوس اجتماعية واقتصادية، وكثيراً ما كان دور المرأة مغّيباً.
دمشق – فؤاد مسعد
هذا الواقع الذي فرض نفسه لسنوات على ما يتم إنتاجه من أعمال تقدم الشام من وجهة نظر معينة، يبدو أنه تغير في الموسم الدرامي الأخير من خلال مسلسل فضّل صناعه أن يغرّد خارج السرب، حيث قدّم المخرج باسل الخطيب مسلسل «حرائر» الذي لا يندرج ضمن آلية مسلسلات البيئة الشامية التي اعتاد عليها المشاهد، وإنما يعيد الاعتبار إلى الدراما التي تحكي عن هذه البيئة من منظور تاريخي.
وقد جهدت كاتبة العمل عنود الخالد إلى جانب المخرج لإعطاء تصور بانورامي لا يتم فيه إغفال أحد، فالمتنور الذي ينظر إلى المرأة باحترام موجود في المسلسل شأنه شأن ذاك الرجل متحجر التفكير الذي ينظر إلى المرأة بانتقاص، وربما أشد ما يعطي انطباعاً عن محتوى وتوجه المسلسل وجرأة ما يطرح هو عنوانه. إنهن حرائر الشام الذهب الخالص من الشوائب.
حكاية اجتماعية
يدمج المسلسل بين التوثيق التاريخي لبعض مفاصل مرحلة تاريخية مهمة (1915 – 1920) وهي نهايات الاحتلال العثماني وخروجه من سورية ودخول الاستعمار الفرنسي إليها. وبين الحكاية الاجتماعية الجاذبة التي تحمل الصراع بين الخير والشر، بين النظرة المتخلفة والأخرى التي تحمل رؤيةً وفكراً، هو صراع بين ما خلّفه الاستعمار من تراكمات ومحاولته بسط الجهل لدى الناس وبين أسماء مهمة كان لها أثرها في تلك المرحلة، ومن بينها شخصيات مثل ماري العجمي ونازك العابد اللواتي كان لهن أثرهن البالغ في مسار الحراك الثقافي آنذاك، فواجهن أسباب التخلّف الاجتماعي الذي كان يلقي بظلاله على البلد، إضافة إلى نساء دمشقيات كسرن القيد واستطعن بناء أسرهن وتعليم أبنائهن على الرغم من غياب الأب، إنها صورة مشرقة عن المرأة حاولت الكثير من الاعمال الأخرى طمسها لإذكاء روح الذكورة فيما تقدم، هو واقع يُعاد تجسيده ليحكي عن مكانة المرأة الحقيقية في زمن سوّق على الشاشات من خلال مسلسلات أخرى تكرس عبارات من نوع «أمرك ابن عمي، تشكل آسي، حاضر تاج راسي ..»، وبالتالي يحتفي «حرائر» بما استطاعت المرأة انتزاعه من حقوق في مجتمع يمجد كثيرون فيه العادات والتقاليد البالية.
دفاع عن المرأة
عديدة هي الأحداث والشخصيات التي كان لها حضور بشكل أو بآخر، فما كتبه عبد الرحمن الكواكبي تقرأه طفلة صغيرة محاولة فهمه، أما «بسيمة» الأرملة فترسل بناتها إلى مدرسة خاصة في بيروت للتعلم في محاولة لانتشالهن من واقع يُفرض من قبل بعض الرجال المتنفذين، وبالمقابل يصور المسلسل شخصيات لرجال كانت لهم وقفتهم المتنورة، كما هي الحال مع شخصية سعيد الذي رفض نهج والده المتخلف المزواج في حل الأمور، وشخصية عبدو القادم من حرب دموية ويحمل في قلبه الكثير من الحزن والشموخ، أتى ليقف مع اخته التي كادت كرامتها أن تُداس ممن تزوج بها في ظل سكوت الجميع، فكان هو الأخ المدافع عن المرأة وحقوقها متمثلة بأخته، فوقف إلى جانبها مؤكداً على رسالة عمد المسلسل إلى إيصالها، وهي وجود رجال متنورين يدافعون عن المرأة، كما أن هناك نساء متنورات نادين بأهمية حرية واستقلال المرأة وعدم تبعيتها لأي كان.