عباس علي مراد

بعيداً عن آراء المؤيدين والمعارضين للإتفاق النووي الايراني ومجموعة الدول 5+1، هناك حقيقة ثابتة ان الإتفاق اصبح حقيقة وواقعاً ملموساً وهذا ما اراده الجميع من المفاوضات التي استمرت سنوات ووضعت على نار حامية خلال العامين الماضيين من اجل الوصول الى اتفاق الحد الأدنى او نقطة البداية والذي سيكون بصورة او بأخرى حجر الاساس لأتفاقيات متممة لا تقل اهمية.

رغم الخطاب العالي النبرة الذي رافق الأسابيع الأخيرة من المفاوضات والتهديد بالإنسحاب اوالعودة الى نقطة الصفر التي كانت جزءاً من عملية التفاوض وشد الحبال لتحقيق بعض المطالب هنا والتخفيف من بعض الشروط هناك فقد سيطرت البراغماتية على البعد العقائدي للمحادثات التي لحظت كل السناريوهات الحسنة والسيئة للتوقيع من عدم التوقيع.

ايرانياً، ما كانت ايران لتوقع اتفاق لا تريد الإلتزام به رغم الخطوط الحمراء التي وضعها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي وأهمها عدم تجميد الأنشطة النووية لمدة طويلة او تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية وضرورة رفع العقوبات بعد توقيع الإتفاق وبحسب البنود الأساسية للإتفاق سوف سيستمر العمل بالبرنامج النووي الإيراني مع تخفيض نسبة اليورانيوم المنخفض التخصيب الى 300 كلغ خلال 15 عاماً، وتخفيض عدد اجهزة الطرد المركز من 19000 الى 5060 والتي ستوضع تحت مراقبة دولية دائمة، وينص الإتفاق ايضاً على آلية تفتيش لمواقع ايران النووية لمدة 25 عاماً وفي بعض الحالات بشكل دائم وبموجب الإتفاق يحق لإيران تأخير التفتيش لمدة 24 يوماً، بغض النظر عن المدة الزمنية تكون ايران قد حققت هدفها وهو اعتراف الغرب ببرنامجها النووي وسلميته لأنه وكما هو معروف فهناك حكم شرعي(فتوة) في ايران يحرّم صناعة القنبلة النووية.

من جهتتها مجموعة الدول 5 + 1 الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا والمانيا سعت الى توقيع الإتفاق ولكل دولة او لبعضها مجتمعة اعتبارات تتجاوز الشرق الاوسط ومشاكله.

اوروبياً، الدول الأوروبية عينها على الغاز والنفط الإيراني للتخلص من التحكّم الروسي بإمدادات الغاز للقارة العجوز، خصوصاً اذا ما كان النفط والغاز الإيراني ارخص سعراً بالإضافة الى امكانية الاستثمار في هذين القطاعين من قبل شركة النفط الاوروبية العملاقة التي كانت تلتزم العقوبات الدولية المفروضة على ايران، وقد بدى واضحاً تهافت المسؤولين الاوروبيين للإنفتاح على ايران وزيارتها وبهذا الإطار كان ملفتاً للنظر الصفعة التي وجهها وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنتقاداته الحادة للإتفاق النووي مع ايران عندما تساءل اي اتفاق تريد اسرائيل الجواب اسرائيل لا تريد اي اتفاق مع ايران، اسرائيل تريد المواجهة. وانا لا اعتقد ان ذلك يصّب في مصلحة المنطقة ولا اعتقد انه يصّب في مصلحتنا. روسيا والصين لهما اعتبارتهما وحساباتهما وعملتا على تشجيع توقيع الإتفاق وقد شكّلتا الضمانة لإيران رغم ما يشاع عن مخاوف روسية من تطور العلاقات الأميركية الإيرانية على حساب العلاقات مع روسيا، لكن السؤال البديهي هل من ارضية لهذه المخاوف  على المدى القريب والمتوسط خصوصاً ان ايران وروسيا ترتبطان بعلاقات عميقة وهناك حاجات متبادلة والجدير ذكره ان الفائض من اليورانيوم المخصب سوف يُنقل الى روسيا بالإضافة الى التقاطع في دعم الدولة والنظام في سوريا ومحاربتهما تنظيم داعش، هذا بالإضافة على ان روسيا ترغب بتصدير السلاح لإيران للتعويض عن الخسائر التي لحقت بالإقتصاد الروسي جراء انخفاض اسعار النفط وكذلك هناك طموح روسي للأسثمار في ايران.

الولايات المتحدة الأميركية اللاعب الأساسي والتي عملت على توقيع الإتفاق والتي خرج رئيسها باراك اوباما مدافعاً عنه حتى ان صرّح انه سيستعمل الفيتو الرئاسي في حال صوت الكونغرس على رفض الإتفاق رغم صعوبة حصول المحافظين على دعم 44 نائب ديمقراطي من اصل 188 للتصويت الى جانبهم لإبطال الفيتو.

كان الرئيس اوباما صريحاً في حديث الى نيويورك تايمز الاسبوع الماضي فقال: ان رغبتنا لإستمرار  الحصار لم تكن مطروحة، وعلينا ان ندرك ان ايران ليست وحدها تدفع تكلفة الحصار فهناك الصين، اليابان، كوريا الجنوبية والهند وغيرها من الدول التي كانت تعتمد على النفط الإيراني والذين وجدوا انفسهم في وضع يكلفهم مليارات الدورارات في حال استمرار الحصار.

وشدد اوباما على ان الإتفاق كان محدداً لمنع ايران من الحصول على القنبلة النووية وقال لنيويورك تايمز: نحن لا ننظر الى الإتفاق من منظار تغيير النظام داخل ايران او لحل كل المشاكل التي لإيران علاقة بها او لوقف كل النشاطات الإيرانية الشائنة حول العالم، لكنه عاد ورفع من لهجته وكأنه يريد تطمين الخائفين والمعترضين داخل اميركا وخارجها (المحافظين، اسرائيل والسعودية) حيث قال: مع احترامنا لإيران، انها حضارة عظيمة، لكن لديها نظام ثيوقراطي معاد لأميركا، معاد لإسرائيل وضد السامية، يتبنى الإرهاب وهناك من الفروقات الكبيرة بيننا وبينهم.

اذن، ادلى كل فريق بدلوه في الإتفاق لكن هناك بداية لمرحلة تاريخية جديدة في منطقة الشرق الاوسط والعالم والتي قد تشكل البداية لمشوار التحولات السياسية الكبرى والتحالفات وترسيم مناطق النفوذ في منطقة بدأت بها عملية تخصيب الحلول الجغرافية والديمغرافية المخصبة بدماء أبنائها من العرب والمسلمين على وقع الإتفاق النووي الإيراني الغربي، وهناك نقطتان رئيسيتان لهما الأولوية، اولاً القضاء على داعش لما فيه  من مصلحة عالمية في ان تبدأ عملية التخصيب الإقتصادي والسياسي والتي بدأت بوادرها بالظهور كما اسلفنا حيث بدأ موسم الحج الى ايران من اجل الحصول على العقود التجارية المربحة، ثانياً حاجة الولايات المتحدة للتفرغ للهّم الصيني واحتواء الصين في جنوب شرق آسيا بالاضافة الى حاجة الرئيس اوباما لتحقيق انجاز بهذا المستوى ليدخل به التاريخ كما فعل في اعادة العلاقات مع كوبا وتطوير العلاقات مع فيتنام.

باختصار، من جهتها ايران تكون قد بدأت عملية العودة الى الأسرة الدولية بعد عزلة وحروب وحصار واعطت بيد واخذت باليد الاخرى حتى تكون لاعبا من ضمن القوى الاقليمية وتدخل في اتفاقية ويستفاليا التي وقعتها  عام الدول الاوربية1648 بعدما انهكتها الحروب القومية والدينية والتي شكلت الارضية لعالم اليوم رغم تجاوزها او خرقها بشكل فاضح احياناً، والتي من اهم مبادئها:

1- مبدأ السيادة المطلقة للدولة الوطنية وما يصاحبها من حق اساسي لتقرير المصير.

2- مبدأ المساواة القانونية بين الدول الوطنية، فأصغر دولة مساوية لأكبر دولة مهما بلغ ضعفها او قوتها،غناها او فقرها.

3- مبدأ الزامية المعاهدات بين الدول عالمياً، حيث طرحت معاهدة ويستفاليا لأول مرة فكرة  «القانون الدوالي» الملزم لكل الدول.

4- مبدأ عدم التدخل من طرف دولة ما في الشؤون الداخلية.

هنا قد يبدو ان المبدأ الثالث اكثر اهمية في عصر العولمة لما تلعبه مؤسسة الامم المتحدة ومجلس الامن رغم احتكار الدول الدائمة العضوية بحق النقض الفيتو في مجلس الامن والذي سيعرض عليه الاتفاق الايراني ومجموعة الدول 5+1 لأقراره واتخاذ قرارات برفع العقوبات عن ايران.