عبدالوهاب طالباني
مكتب «صوت الا خر» سيدني – استراليا
الرواية الناجحة والمتفوقة هي عالم من الفن الجميل يستقطب كل الفنون اللغوية والحسية من روعة الاسلوب والتعبير والتخيل والتأمل ، وتبني لحدث رئيسي تحيط بها احداث متفرعة اخرى ممكنة الحدوث برؤية خلابة.
« تقول الاسطورة أن هناك عصفورا، يغني مرة واحدة في حياته ، وغناؤه أعذب من غناء كل مخلوقات الارض، فمنذ اللحظة التي يهجر فيها عشه ، يطير باحثا عن غصن شائك ، ولا يرتاح حتى يجده ، عندئذ يغرز في صدره أحدّ شوكة وأكثرها طولا ، وهو يتابع غناءه بين الاغصان الوحشية . وإذ هو يلفظ أنفاسه يرتفع فوق نزعة في غناء يفوق شدو السنونو والشحرور روعة، أغنية فائقة ثمنها الحياة». ترجمة نضال الحواط – مكتبة دار طلاس برج دمشق .
بهذه اللغة الرائعة والروح الملحمية كتبت الروائية الاسترالية «كولين مكلو» رواياتها وهي في الاربعين من عمرها ، ولأنها كتبت عن بساطة حيا ة الناس في استراليا ، وفترة تمثل اغنى فترات العيش المشترك للاستراليين ، وباسلوب أخاذ يشوبه خيال شعري محلّق ، لذلك فقد اجتذبت ملايين القراء في العالم .
الاحداث التي تقع في الرواية يمكن ان تحدث في اي مكان. و تصبح ضمن الرواية ومكوناتها بحيث انها تؤثر حتى على قناعاتك في بعض الامور العادية في هذا العالم الذي نعيشه ، وموهبة الوصف الجميل الذي تمتاز به الروائية تجعل حتى من الاسود ابيضا ..هذه الرواية هي سفر لكل الخلجات الانسانية من حب، وشوق وعاطفة ، و احزان ، و هموم ، وألم ، و عنف ،واشواك ، و نجاح ، وفشل..ألخ.
وهي تحكي قصة عائلة «آل كليري» الاسرة النيوزيلندية الفقيرة والتي انتقلت للعيش في استراليا ضمن الهجرة النيوزيلندية الدائمة الى استراليا وبالعكس ، حيث تعتبر ظاهرة دائمة ،وتدور احداث الرواية في الصحراء الاسترالية في مزرعة للاغنام ، تتناول صراعات عائلية وعلاقة حب محرمة بين «ميغي» ابنة «بادي آل كليري» وبين رالف دو بروكسار الكاهن الكاثوليكي ، لذلك ، المحور الابرز الذي تدور حوله الرواية هو «ميغي» ، مع وجود محاور أخرى ، انها شباك يطل على اشخاص من المجتمع الاسترالي الذي يعتبر غريبا عادة للواصلين الجدد او للذي يأتي اليها كسائح. هذه الرواية يمكن اعتبارها بانوراما انسانية جغرافية نفسية لاستراليا في فترة تقارب الثلاثة ارباع القرن.
«كولين» معروفة بقدرة فائقة على الوصف ، وقد يُعثر في رواياتها على صفحات كاملة بدون حدث إذ تتناول فقط وصف حالات انسانية معينة يقف عندها بصورة معمقة ، او وصف الطبيعة الاسترالية الخلابة من سهول وجبال خضراء وصحارى قاحلة وغابات عذراء .
والبعد الزمني للرواية هو من عام 1910 الى نهاية ستينات القرن الماضي 1969 وبعده المكاني هو قارة استراليا .
بيعت حقوق استغلال الرواية مقابل 1.9 مليون دولار الذي كان رقما قياسيا آنذاك وتحولت إلى أحد أكثر المسلسلات التلفزيونية القصيرة مشاهدة على الإطلاق، كما بيعت نسخ كثيرة منها وصلت 30 مليون نسخة في أنحاء العالم.
ولدت « كولين مكلو» في مدينة «ولنغتون» بولاية نيوسياوث ويلز الاسترالية عام 1937 ،وامضت معظم حياتها في جزر استرالية تقع في المحيط الهادي اسمها « نورفولك آيلاند» بعد اقترانها من «ريك روبنسون» ، فقدمت 25 عملا كان اخره « بيتر سويت» في عام 2013. وكانت ابنة الزوجين «لوري وجيم» ، والغريب ان والدي «كولين» كانا متخاصمين دائما ، لكنهما رفضا الانفصال ، وعاشا معا، وقد كانا من الذين يودون السفر المستمر فتنقلا كثيرا في ولايتي نيوساوث ويلز وكوينزلاند.
في صغرها كانت «كولين» تكتب الشعر والقصص القصيرة وكانت ايضا ترسم اللوحات الملفتة
وتحولت «كولين « إلى كتابة الرواية بعد أن عملت في مجال علم الأعصاب في أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة لأكثر من عشر سنوات وحققت نجاحا سريعا برواية «طيور الشوك « .
درست «كولين» في مدرسة «الصليب المقدس» في مدينة « ولورا» ولكن على الر غم من طبيعتها المتمردة كانت سعيدة في دراستها ، فقد كانت مثلا جيدا بين الطلاب في دروسها وحبها للغة الانكليزية، وكذلك في الفنون والعلوم.
ثم انتقلت الى جامعة سيدني لتدرس «الفيزيولوجيا العصبية» وقالت لابويها هذه الدراسة اهم من الطب العام ، وبعد تخرجها اسست معهدا لهذا الفرع من الطب في مستشفى «سيدني رويال نورث شور» ، ومن اجل تلقي المزيد من العلوم ذهبت الى جامعتي لندن وبرمنكهام ، وعندما كانت هناك توفي شقيقها «كارل» الذي كان يحاول انقاذ مجموعة من النساء في عرض البحر كن على وشك الغرق ، فغرق هو ، هذه الحادثة اثرت على الحالة النفسية لكولين فعادت الى استراليا. بعد ذلك دعيت للعمل في الولايات المتحدة الاميركية، وذهبت الى هناك وبقيت حوالي 14 عاما، كانت تحب الوحدة في حياتها ، وفي عطلات نهاية الاسبوع كانت تخرج وحيدة الى الريف الاميركي ، ثم عادت مرة اخرى الى استراليا .
كتبت روايتها الاولى عام 1976 التي كانت بعنوان «تيم» وحصلت من مبيعاتها على 50 الف دولار.
كانت «كولين « في ايامها الاخيرة قد زاد وزنها بصورة ملفتة ، وربما هذه الزيادة سببت لها مشاكل صحية وأدت الى وفاتها .
قالت مرة في احدى المقابلات: أنا لم اهتم في حياتي بملابسي وبمظهري ، واقولها صادقة أنني لم احاول ابدا في حياتي ان الفت نظر رجل بمظهري .
واضافت : كما أنني لا احب الظهور في الاعلام ، انا اخجل من المقابلات.
علما انها في حياتها اجريت لها اكثر من الف مقابلة اعلامية في الصحف والتلفزيون والاذاعات . ولم تهتم كثيرا بالانتقادات الشديدة بعض المرات ، وكانت ترد بكثير من اللباقة والاحترام والهدوء.
توفيت « كولين مكلو» عن عمر ناهز ال77 عاما في كانون الثاني 2015 في المستشفى في جزيرة «نورفولك»جنوب المحيط الهادي نتيجة مشكلات صحية».