يُقال إنَّ الشعب الأوسترالي متواضعٌ على عكس مسؤوليه الديبلوماسيّين الذين يتسلّمون مهمات محدّدة ووظائفَ دقيقة في لبنان على حدّ قول المتعاطين معهم، إلّا أنّ السفير الأوسترالي الجديد غلين مايلز الذي تسلّم مهامه منذ 4 أشهر كسَر القاعدة وخلق حالة خاصة به إن من خلال طريقة تعاطيه مع العاملين معه أو مع اللبنانيين الذين يصادفهم في حياته الإجتماعية وقاصدي السفارة الأوسترالية، إذ إنّ المقرّبين منه يُخبرون أنّ السفارة الأوسترالية تشهد جوّاً من التعاطي المتميّز والسلس في تسيير العمل الذي خلقَه السفير الأوسترالي الجديد غلين مايلز.

يُجيد مايلز الإصغاء ويحبّ الإفادة من خبرات اللبنانيّين وتجاربهم ويستمع بتأنٍّ الى المشكلات العالقة فيعمل على حلّها بأسلوبه المتميّز. بروح النكتة يوصل مايلز ما يريد إيصاله الى الآخرين بلباقة وطرافة. متواضعٌ إلى أعلى درجات التواضع، محبوبٌ جداً من المحيطين به، لا نزعة متعالية في أدائه واللافت أنه على الأرض دائماً ويُحبّ جداً الاختلاط بالناس ويُجيده.

وانطلاقاً من هذا الموضوع وتحديداً الخوف من الهاجس الأمني، طرحنا لسؤالَ على السفير الأوسترالي خلال إحدى المناسبات الاجتماعية التي لبّاها مع زوجته، ليجيب: «على العكس لم أجد أيّ حالٍ أمنية تثير الريبة منذ وصولي الى السفارة ولا أشعر بالخوف مطلَقاً.

فالأمان والامن يحيطان بنا وبكلّ المناطق المجاورة». لتستطرد زوجته كاثرين وتقول إنّها لا تشعر بالخوف الذي حذّرها منه الأقارب في الخارج مؤكدة أنها «تُحبّ التجوّل سيراً في شوارع بيروت، خصوصاً في شارع الحمرا القريب من مكان إقامتنا هرباً من الزحمة».

وعن الصعوبات التي واجهها بسبب انتقاله الى لبنان، يوضح مايلز أنّه كان مرتبكاً بداية الأمر خوفاً على عائلته من صعوبة التأقلم خصوصاً على إبنيه اللذين سينضمّان إليه قريباً في لبنان. ويُقرّ أنّه كان متخوِّفاً من صعوبة انتقالهما إلى مدارس تناسبهما في لبنان إلّا أنّه فوجئ بردّ فعل ولدَيه عندما طمأناه أنهما يتوقان الى الإقامة في لبنان، وأنهما زاراه سابقاً ولديهما اصدقاء شجعوهما على المجيء والالتحاق بمدارسه الخاصة والمتميِّزة أيضاً.

ولم يخفِ مايلز أيضاً أنّ الأصدقاء حذّروه من الانتقال الى لبنان، لكن وبعد أربعة أشهر على استلامه مهامه الدبلوماسية، طمأنهم إلى أنّ هواجسهم ليست في محلّها، مشيراً إلى أنه شخصياً «يشعر بالأمان ولم يواجه أيّ مشكلة أمنية مشجعاً اهله واصدقاءه على زيارته في لبنان، لافتاً الى أنه لاقى وعائلته الترحاب والدعم كله ولا سيّما من الشعب اللبناني المضياف الذي وصفه بأنه يتقن إرساء افضل العلاقات الاجتماعية فيما بينه وباقي المجتمعات المختلفة المقيمة على أرضه».

اللبنانيون والتأشيرة!

السؤال التقليدي الذي حاول السفير الإجابة عليه بعفوية مطمئنة ولباقة في الوقت عينه، هو صحّة المعلومات التي تتحدّث عن التزام السفارة الأوسترالية بعدد محدّد من التأشيرات الشهرية أو السنوية التي تمنحها الى اللبنانيين التوّاقين للسفر الى أوستراليا سواء كان للسياحة أم للهجرة؟

ويضحك مايلز لوهلة ويستعيد سريعاً جدّيته ويجيب بأنْ «لا عدد او معايير محدّدة بالنسبة لمنح التأشيرات الى اللبنانيين»، موضحاً أنّ كلّ ملف مقدَم يُدرس على حدة وإذا استوفى الشروط المطلوبة تُمنح التأشيرة بكلّ ترحاب، مضيفاً: «هناك الآلاف الذين يشهدون بذلك ونحن نمنح تأشيرات كثيرة الى اللبنانيين الراغبين بزيارة أهلهم واقاربهم في اوستراليا، وهم يُعَدّون بالملايين، علماً أنّ القصة متبادَلة فهناك الكثيرون من الأوستراليين اللبنانيّي الاصل والمقيمين في أستراليا وممَّن يتبوّؤون أعلى المناصب، يزورون غالباً موطنهم الام ولهذا السبب لا نرفض تأشيرات هؤلاء وأقاربهم بل ندعمهم ونشجّعهم لتبقي صلة التواصل العائلية بين الشعوب ولا سيّما هذا الشعب اللبناني العريق، الغنيُّ بثقافاته وطاقاته».

خطة عمل

وعما إذا كانت لديه خطة عمل اعتمدها منذ استلامه مهماته الجديدة، يقول مايلز: «أفكّر في العمل الجدي مع الجالية الاوسترالية الكبيرة التي يبلغ عددها 20 ألفاً. إنهم مواطنون اوستراليون ويصبحون 30 ألفاً خلال موسم الصيف»، لافتاً إلى أنّ «العمل والتواصل مع هؤلاء أمرٌ مهم بالنسبة إليه ويفيد البلدين».

ويشدّد على أنه يعمل على توثيق علاقاته مع الجالية اللبنانية الموجودة في اوستراليا ولبنان والتفاعل معها خصوصاً في الحقل التجاري، إذ من المهم تقوية وتفعيل حقل التجارة بين لبنان وأوستراليا لوجود نصف مليون لبناني مقيم فيها. ويوضح ذلك بقوله إنه يسعى لإيجاد عوامل مشترَكة للانطلاق ورفع المستوى التجاري، قائلاً: «بدأتُ عملياً مع فريقي في أوستراليا وفي لبنان بالعمل على ذلك، لأنني أؤمن بأنّ هذا النصف مليون لبناني في اوستراليا يمكنه أن يشكل طاقة تجارية أهمّ وأكبر من العلاقة التجارية الحالية التي تسجل نسبة متدنّية جداً بالنسبة إلى حجم الجالية اللبنانية وطاقاتها التي يمكن الإستفادة منها لصالح البلدين».

النازحون

وعن وجود خطة معيّنة معتمَدة لأزمة النازحين السوريين ومعالجتها، يذكر مايلز أنّ «الدولة الأوسترالية أعلنت في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد أخيراً في الكويت عن استعدادها لتقديم 20 مليون دولار للنازحين السوريين، تُقسّم على الشكل الآتي: 12 مليون دولار أوسترالي توزّع داخل سوريا و8 ملايين دولار خُصّصت للبنان ستوزّع عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكومية المعنية وعلى المجتمعات المضيفة المتمثّلة بالمناطق والبلديات اللبنانية التي تستضيف هؤلاء النازحين، وترزح بناها التحتية من جراء الثقل وباتت غير قادرة على التحمّل وتعجز بالتالي عن تلبية حاجات سكانها الأصليين والنازحين على حدٍّ سواء».

أمّا بالنسبة الى عدد التأشيرات التي تُمنح للنازحين السوريين الذين يرغبون باللجوء الى اوستراليا، فيوضح مايلز أنّ السفارة الاوسترالية خصّصت برنامجاً لهؤلاء يقضي بمنح 2200 تأشيرة إنسانية للّاجئين السوريين ضمن برنامج إعادة التوطين بدأ في 1 تموز 2014 ويستمرّ حتى 30 حزيران 2015.

مناخ وضيافة يسحران السفير

السفير الأوسترالي استعجَلَنا الانتهاء من المقابلة لتذوّق الحلويات اللبنانية في ختام الغداء التكريمي الذي أُقيم في قرية حردين على شرف عدد من رجال الأعمال الأوستراليين الذين شاركوا في مؤتمر الطاقة الاغترابية، فيؤكّد أنه يستمتع بأصناف المأكولات اللبنانية الشهيّة والغنيّة وأنه يستمتع بضيافة أهل لبنان الفريدة، وقد أحبّها كثيراً. ولم ينسَ الاشادة بالشيء الاحَبّ الى قلبه وهو مناخ لبنان وطبيعته، فيمكنه الانتقال من الجبل الى البحر خلال ساعة وهو لطالما استمتع بممارسة هواية التزلّج والسباحة في اليوم ذاته.

السفير يُغرّد

بكلّ تواضع، يُقرّ مايلز بأنّه غير ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي على رغم إدراكه أهميّتها، وذلك ربّما لضيق الوقت ولأنّه يؤمن بأهمية اللقاء وضرورة الاجتماع والتواصل مباشرة مع العائلة ولا سيما بين الاهل والاحبّة والاقارب وحتى الأصحاب، فيما يكشف القريبون منه أنه يولي عائلته أهمية قصوى في حياته ويعتبرها أولوية.

أمّا جديد السفير الأوسترالي فقد علم  أنّه فتح أخيراً حساباً على «تويتر» بعد نصيحة أصدقائه، وذلك بغية تفعيل التواصل مع اللبنانيين والجالية الأوسترالية إلّا أنه غير راضٍ حتى الساعة عن عدد متتبّعيه ويرغب في رفعه، فهل سيزداد بعد قراءة هذه المقابلة؟