المشهد تغيّر كثيراً منذ 24 مايو 2000، حين انسحبت القوات الإسرائيلية عنوة من أرض عربية محتلة، و24 مايو 2015، حيث ترسخ ارتباط «حزب الله» استراتيجياً وعضوياً بالمسار الجيوسياسي لإيران في المنطقة.

ولدى انفجار الأزمة في سوريا، سألت القبس: هل يكون الرحيل من الخط الأزرق في الجنوب إلى الخط الأحمر في الشمال؟ لم يعد الأمر مجرد خط أحمر، بل حلقة حمراء ومقفلة، الأوساط الدبلوماسية الأجنبية في بيروت، على اختلافها، تعتبر أن الأزمة السورية لن تُحل في المدى المنظور، وأن خارطة جديدة ترسم لسوريا، وتسأل ما إذا كان لبنان سيبقى بمعزل عن تداعيات الخارطة المرتقبة.

تقريباً الحدود اللبنانية آمنة، من البحر المتوسط وحتى سفوح جبل الشيخ باستثناء جرود عرسال، حيث ينتشر أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل ينتمون إلى «النصرة» و»داعش» وفصائل أخرى.

القرار ليس لبنانياً

القرار ليس لبنانياً في ما يتعلق بطريقة مقاربة هذا الوضع، ليس فقط بسبب تداخل الحدود جغرافياً، وإنما بسبب التداخل بين الأزمتين اللبنانية والسورية، لاسيما بعد أن بات «حزب الله» جزءاً من الحرب السورية الحالية، وبطبيعة الحال جزء في الحرب (أو الصفقة) السورية اللاحقة.

الذي ظهر من جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، والذي سيظهر في جلسة الخميس المقبل، ألا مجال لكي تقدم الحكومة اللبنانية على التنسيق مع الجيش السوري، ولا مع «حزب الله» لخوض معركة الجرود ان لكلفتها الباهظة أو لكونها معركة مع المجهول في ضوء التصورات السورية المتلاحقة.

الجيش في حركة دائمة، وعلى مدار الساعة، اما لتحصين مواقعه أو لمراقبة التحركات اليومية للمسلحين الذين لا يهدأون أبداً كما لو أنهم يقومون بخطوات اختبارية، ويكون الرد عادة بحجم التحرك، ودائماً بالمدفعية الثقيلة، وهذا ما حدث أمس وأمس الأول.

العملية الصاعقة

لكن الخوف هو من قيام المسلحين بعملية صاعقة لا سيما في منطقة رأس بعلبك، وحيث يبدو الاندفاع أقل تعقيداً، وكذلك هامش المناورة، وان كان الجيش زرع دباباته وراجماته الصاروخية بكثافة في المنطقة قد أقام حقولاً من الألغام التي تعيق أي تقدم كثيف.

والجيش يؤكد ان ما حصل في 2 أغسطس 2014 حين اجتاح المسلحون بلدة عرسال واختطفوا أكثر من 30 جندياً وقتلوا من قتلوا لن يتكرر في حال من الأحوال. الأوامر المعطاة هي المواجهة حتى الرمق الأخير، وهذا ما فعله آنذاك المقدم نور الدين الجمل الذي ظل في موقعه حتى سقوطه.

مجلس وزراء في اللبوة

وزير الدفاع سمير مقبل اقترح عقد جلسة لمجلس الوزراء في بلدة اللبوة، الأقرب الى عرسال، للتأكيد على ان الدولة حزمت أمرها على مواجهة أي عملية عسكرية تقوم بها الفصائل المسلحة.

وبحسب المعلومات، فإن جهات أمنية حذرت من تلك المجازفة، واذا كانت اللبوة قد اختيرت لأن الوضع في عرسال معقد بوجود النازحين السوريين بعشرات الآلاف وبوجود أفراد على علاقة بمسلحي الجرود، فالخشية هي من ان يطلق مقاتلو «داعش» أو «النصرة»، وهم يطلون من الجرود على اللبوة، عشرات الصواريخ على مقر انعقاد جلسة مجلس الوزراء.

خيارات «حزب الله»

وإذا كان قد بدا من الكلام الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله ان الحزب أعطى الدولة اللبنانية مهلة لمعالجة ملف الجرود، فلا شيء يوحي بانه على وشك خوض المعركة مع المسلحين، لا بل ان المعلومات تتحدث عن اتصالات حول الممر الآمن، هذه المرة إلى تدمر ومحيطها.

عون يرفض

وعلى الرغم من حساسية وخطورة التوقعات حول عرسال، لا تزال الساحة السياسية منشغلة بموضوع القيادات الأمنية والعسكرية، وبعدما تأكد ان مهمة وزير الداخلية نهاد المشنوق لدى رئيس التيار الحر ميشال عون لم تحقق النجاح اللازم، اذ ان هذا الأخير رفض، وبصورة قطعية، الفصل بين ملف المدير العام لقوى الأمن الداخلي وملف قائد الجيش.

هذا لن يمنع المشنوق من ان يحمل معه يوم الخميس اسماء 3 عمداء (سمير شحادة وأحمد الحجار وعماد عثمان) لتولي منصب المدير العام، باعتبار ان المدير العام الحالي اللواء ابراهيم بصبوص يبلغ سن التقاعد ليل 5/4 يونيو المقبل، حتى إذا لم يتفق مجلس الوزراء، بغالبية الثلثين، على تعيين اي من الثلاثة بادر المشنوق الى تأجيل تسريح بصبوص.

ماذا ستكون ردة فعل عون، الذي يتخوف من ان تكون هذه الخطوة تمهيدا لخطوة أكبر، وهي ارجاء تسريح قائد الجيش في اكتوبر المقبل؟

مغامرة غير محسوبة

الاتصالات على قدم وساق لاقناع الجنرال بأن الملفين منفصلين ولا رابط بينهما، فهل يقتنع ان يأمر وزراءه بالاعتكاف باعتبار ان الاستقالة تعرض الحكومة للخطر، وهو الامر الممنوع في الظروف الحالية.

وبعد مواقف قوى 14 اذار الرافضة لمبادرة عون، كشف مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس «اننا عبرنا عن حذرنا الشديد حيال ملامسة مسألة تعديل الدستور لأنها مغامرة غير محسوبة النتائج».

وكان تيمور وليد جنبلاط قد التقى وفد تكتل التغيير والاصلاح الذي طرح عليه المبادرة.