يتضح أن الروابط بين شعوب دول الكومونولث والتاج البريطاني قوية لدرجة أن بعض هذه الشعوب تعبد بعض أفراد العائلة المالكة البريطانية، مثلما هو الحال مع شعب جزيرة تانا وهي إحدى جزر فانوتو القريبة من أستراليا في جنوب المحيط الباسيفيكي الذين يعبدون زوج ملكة بريطانيا الأمير فيليب، دوق إدنبره.

ففي تحقيق صحافي نشرته صحيفة «الديلي تلغراف» على أثر زيارة قام بها مراسلها الأسبوع الماضي إلى جزيرة تانا، وهي واحدة من مجموعة جزر فانوتو البالغ عددها 83 جزيرة روى المراسل كيف استقبله سكان تانا البالغ عددهم نحو 30 ألف نسمة بحفاوة بالغة وأطلعوه على الاستعدادات التي تجري في الجزيرة لاستقبال الأمير فيليب لإيمانهم المطلق بأن فيليب سيزورهم في العام المقبل، وفقاً لنبوءاتهم، مع العلم أن برنامج عمل الأمير فيليب في عام 2016 لا يتضمن مثل هذه الزيارة، التي من الصعب لزوج الملكة البالغ من العمر 93 عاماً أن يقوم بها لأسباب صحية.

فزيارة الأمير فيليب لهذه الجزيرة بالنسبة لسكانها ليست كأي زيارة، إذ يُعتبر فيليب لديهم «إلهاً» ويؤمنون بأنه يتحدر من أرواح أجدادهم، ويؤمنون أيضاً بأن الإعصار المدمر الذي ضرب شعوب منطقة الباسيفيكي في مارس الماضي كان مظهراً من المظاهر التي تكشف عنها الطبيعة إيذاناً بوصول «الإله فيليب» إلى المنطقة في عام 2016 للإقامة بينهم أو على الأقل تأديته زيارة قصيرة لهم، وهو معتقد شبيه ببعض المعتقدات الدينية الأخرى كإيمان اليهود بوصول المسيح المنتظر وبيوم القيامة.

وكانت جزيرة تانا تكبّدت أضراراً جسيمة في «إعصار بام» الذي ضرب مجموعات جزر فانوتو وجزر سليمان وتوفالو ونيوزيلاندا في الباسيفيكي وخلف خسائر بالأرواح ودماراً هائلاً في هذه المناطق، أوحى لسكان جزيرة تانا باقتراب «ساعة القيامة». وينتمي سكان جزيرة تانا إلى ديانة جديدة تدعى «ديانة الشحن» نشأت في مطلع القرن العشرين عندما زار الجزيرة جندي أميركي يدعى جون فرام وبشّر سكان الجزيرة الذين يواجهون الأعاصير باستمرار بأن سفن شحن ستأتي إليهم محملة بالبضائع لنجدتهم عندما يضرب الجزيرة إعصار كبير. وزاد إيمان سكان الجزيرة بجون فرام مع السنين إذ تبين أن سفن الشحن بدأت تصلهم بعد الأعاصير التي ضربت الجزيرة وآخرها الإعصار بام في مارس الماضي.

غير أن جون فرام ليس النبي الوحيد الذي يؤمن به سكان الجزيرة. وكان موظف إغاثة نيوزيلاندي وصل إلى جزيرة تانا عقب الإعصار فأبلغه سكان الجزيرة أن «الإعصار مؤشر وتنبيه لنا وعلينا الاستعداد للحدث العظيم الآتي»، وعندما استفسر الموظف عن الحدث العظيم المنتظر قيل له أنه «سيكون وصول الإله فيليب العام المقبل». فسارعت صحيفة «الديلي تلغراف» للوقوف على حقيقة الأمر لتكتشف أن سكان جزيرة تانا يعبدون زوج الملكة الأمير فيليب، وأن أحد أنبيائهم المدعو فريد الذي توفي قبل بضع سنين، تنبأ بوصول «الإله فيليب» إلى الجزيرة في عام 2016.

ويؤمن سكان الجزيرة بنبوءات فريد لأنه ثبت لهم بالدليل القاطع على مرّ السنين أن كل نبوءاته تحققت، فعلى سبيل المثال تنبأ فريد بأن البحيرة الكبيرة التي كانت تحيط بالبركان الموجود في الجزيرة ستجف وتختفي، وهذا ما حصل بالفعل لاحقاً، كما تنبأ أن تانا التي تشهد باستمرار أعاصير مدمرة، لن تشهد أي أعاصير خلال مدة سبع سنوات، وبالفعل مرت سبع سنوات من دون أي إعصار. وقبل وفاته تنبأ فريد بأن إعصاراً مدمراً سيجتاح تانا تمهيداً لحدث كبير جداً منتظراً في عام 2016، وبالفعل جاء «إعصار بام» في مارس الماضي، مما دفع سكان الجزيرة لبدء الاستعدادات لاستقبال الحدث الكبير في عام 2016 الذي يؤمنون بأنه سيكون وصول «الإله فيليب» إلى الجزيرة.

ووفقاً لسكان تانا يعود إيمان سكان الجزيرة بأن فيليب «إله» إلى عام 1974، عندما رافق فيليب الملكة إليزابيث الثانية في زيارة رسمية على ظهر «بريتانيا» اليخت الملكي البريطاني في حينه، فكان في استقبالهم في ميناء «بورتا فيللا» جاك نيفا، أحد قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية، لكن الملكة وزوجها لم ينزلا إلى الجزيرة في تلك الزيارة واستقبلا المرحبين بهم من أبناء الجزيرة وتبادلا الهدايا معهم على ظهر اليخت.

إلا أن نيفا كان يحظى باحترام شديد بين سكان الجزيرة فأبلغهم عقب لقائه بالملكة وزوجها أنه وصل إلى قناعة بأن «فيليب إله وأنه يتحدر من أرواح أجداد شعب تانا»، وتوفي نيفا في عام 2009 في حين ما زال سكان الجزيرة يرددون ما قاله عقب اللقاء بأنه «شاهد فيليب واقفاً على ظهر السفينة ببدلته العسكرية بيضاء اللون، أشبه بـ… المنتظر الحقيقي».

وقالت «الديلي تلغراف» أن الأمير فيليب يحترم سكان الجزيرة ومعتقداتهم ويواصل باستمرار إرسال الهدايا لهم. وشاهد مراسل الصحيفة صور الأمير فيليب التي تحمل توقيعه الشخصي والتي أهداها لسكان الجزيرة معلقة في أكثر من مكان، وكشفت الصحيفة عن أن وفداً من أبناء تانا زار بريطانيا في عام 2007 فاستقبلهم الأمير فيليب في قصر باكنغهام في لندن، لكن تفاصيل الزيارة والمحادثات بين أعضاء الوفد والأمير فيليب بقيت طي الكتمان. وكانت الأميرة آن، ابنة الملكة والأمير فيليب، زارت جزيرة تانا في العام الماضي وكانت الأولى من بين أفراد العائلة المالكة البريطانية التي تطأ قدماها الجزيرة.