… ذكرنا في الحلقة السابقة ان اسماء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كثيرة وكذلك ألقابها الحسنة الممدوحة. والميزة في تلك الأسماء والألقاب ان لها اصلاً في كتاب الله… واطلقت عليها من جهة ابيها المعصوم الذي أُوتيَ جوامع الكلام، ويضع الكلام في مواضعه بدون اي تأثير عاطفي ابداً…
< فهي الطاهرة المطهرة. قال تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً. سورة الأحزاب 33.
< وهي الراضية المرضية، قال تعالى: «رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم» سورة المائدة 119 وقال تعالى:
«يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي» سورة الفجر 27 – 30 ولقوة رضاها عن الله ورسوله… كان من المقاييس المنصوبة للتمايز بين المؤمن والمنافق، فمن ارضى فاطمة فقد ارضى رسول الله «ص» ومن اغضبها فقد اغضبه صلى الله عليه وآله.
وهي كما في الحديث الصحيح: « ان الله تعالى يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضب فاطمة» وهذا ما يعبر عنه بالمعيار الفاطمي فهي المعصومة التي لا ترضى الا بما ارضى الله ورسوله، ولا تسخط الا بما اسخط الله ورسوله».
فقد حباها المهيمن جلّ شأنه من ألطاف ومزايا اختصت بها دون البشر. وكيف لا تكون كذلك اشتقت من النور الإلهي الأقدس – وقد علمنا من مقام النبوة وما ورد في نصوص السنة النبوية – وما ورد عن امير المؤمنين علي «ع» . ان النبي «ص» لم يحاب احداً لمحض العاطفة او واشجة القربى، فما يلفظه من قول. او ينوي به من عمل ولا سيما في امثال المقام لا يكون الا عن حقيقة راهنة. ولا كمن يحدده الى الإطراء الميول والشهوات فما صدر منه صلى الله عليه وآله وسلم من خصائص الصديقة لا يكون الا عن وحي – يريد –  ان يرفع مستواها عن مستوى البشر اجمع، فالرسول الأعظم لم يصدع  الا بحقائق راهنة، جعلتها يد المشيئة حيث اجرت عليها سيل الفضل الربوبي، فكوّنها على مثال العطمة، وافرغتها في بوتقة القداسة، فهي نماذج عن الحقيقة المحمدية…/ وفاة الزهراء للعلامة السيد عبد الرزاق المقرم ص 39 ومن اسمائها الصدّيقة وقد فداها النبي بنفسه. وجاء عنه صلى الله عليه وآله في حديث طويل: يا علي – اني قد أوصيت فاطمة إبنتي بأشياء وامرتها ان تلقيها اليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمّها اليه وقبّل رأسها وقال: «فداك ابوك يا فاطمة» وعن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله – الصادق – عليه السلام: مَن غسَّل فاطمة عليها السلام ? فال : ذاك امير المؤمنين «ع».
فكأنما استضقت – استفظعت – ذلك من قوله. فقال لي: كأنك ضقت مما اخبرتك به. فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك.
فقال: لا تضيقنَّ فإنها صديقة لم يكن يغسّلها الا صدّيق، اما علمت ان مريم، عليها السلام، لم يغسّلها الا عيسى «ع»؟
وعن علي بن جعفر، عن اخيه، عن ابي الحسن «ع» قال:
«ان فاطمة عليها السلام صدّيقة شهيدة» والصدّيقة فعيلة للمبالغة في الصدق والتصديق. اي كانت كثيرة التصديق لما جاء به ابوها صلى الله عليه وآله، وكانت صادقة في جميع اقوالها، مصدقة اقوالها بأفعالها… / فاطمة الزهراء، بهجة قلب المصطفى ص 198
…ويضاف الى ذلك كناها فهي ام ابيها وأم الحسن، وأم الحسين وأم المحسن، وأم الأئمة، وهي أم الأخيار وأم الفضايل وأم الأزهار. وأم العلوم.
قال العلامة الإربلي: كان النبي «ص» يعظم شأنها ويرفع مكانها وكان يكنيها بأمّ ابيها، ويحلها من محبته محلاً لا يقاربها فيه احد ولا يوازيها. سأله علي عليه السلام يوماً فقال:
يا رسول الله، انا احب اليك ام فاطمة؟ فقال «ص»:
أنت عندي أعزّ منها، وهي أحب منك، – كما جاء في كشف الغمة – ولعل وجه تكنيتها بأم ابيها هو انه صلى الله عليه وآله يعاملها عليه السلام معاملة الولد أُمَه، وانها تعامله معاملة الأم ولدها، كما ان التاريخ يؤيد ذلك، والأخبار تعضده. ففي الأخبار الكثيرة انه كان صلى الله عليه وآله يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل اسفاره ورحلاته، وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره، كما يتزود الولد من امه، ونلاحظ من جهة اخرى ان فاطمة «ع» تحتضنه وتضمّد جروحه وتخفف من آلامه،و كالأم المشفقة لولدها، وبالجملة كل ما يجده الولد في امه من العطف والرقّة والشفقة والأنس فهو صلى الله عليه وآله يجده في فاطمة عليها السلام وكأنها امه / نفس المصدر
-… واذا كانت نساء النبي «ص» امهات المؤمنين، ففاطمة «ع» ام النبي، ام المصطفى، ام الرسول ، ام ابيها. –
وجاء في «اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء» ان كنية «ام ابيها» هي ادق كناها من حيث المعنى. والأظهر في توجيهها ما اختاره «مؤيد الدولة والملة» وهو ان النكتة في هذه الثكنية انما هي في محض اظهار المحبة، فإن الانسان اذا احب ولده او غيره واراد ان يظهر في حقه غاية المحبة، قال : يا اماه في خطاب المؤنث، ويا أباه في خطاب المذكر، تنزيلاً لهما بمنزلة الأم والأب في المحبة والحرمة، عل ىما هو معروف في العرف والعادة …
اما في تسميتها ببضعة الرسول «فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني. فاطمة اعز الناس الي… فاطمة بضعة مني فمن اغضبها فقد اغضبني فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها…» البَضعة – بفتح الباء وقد تكسر – الجزء من الشيء وقطعة منه والبِِضع بكسر الباء وقد يفتح، هو العدد من الواحد او الثلاثة الى التسعة مطلقاً، او الأفراد منه لا الأواج، بمناسبة كون كل هذه المراتب قطعة من العدد، قال تعالى في يوسف عليه السلام: هذه المراتب قطعة من العدد، قال تعالى في يوسف عليه السلام: «فلبث في السجن بضع سنين» سورة يوسف 42 اي تسعاً او سبعاً او اقل، قيل: والأصح سبع سنين بعدد حروف الكلمتين..
والشِجنة – بالكسر وقد تضم – في قوله صلى الله عليه وآله «فاطمة شجنة مني» الشعبة والغصن من الشجرة او العروق الملتفة منه، والحديث ذو شجون اي ذو شعب وامتساك بعضه ببعض، وحاصل المرام فيه ان الكلام يجر الكلام، وشجر مشجّن اذا التف بعضه ببعض، ونقل عن القاسم بن سلام في معنى قول النبي «ص» : ان الرحم شِجنة من الله عز وجل، اي قرابة مشبكة كإشتباك العروق. وحاصل معنى الشِجنة في الأخبار يرجع الى معنى البَضعة ايضاً، فيكون المراد من الأخبار المذكورة ان فاطمة عليها السلام قطعة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعض اجزائه، ومَن آلم وآذى بعض أجزاء الانسان اي عضواً من اعضائه فقد آلمه، بل ليس إيلامه الا إيلامه ولا يقدح في ذلك كون الجزء غير الكل لما تقرّرفي محله من ان المعني التركيبي غير الإفرادي بحسب العرف واللغة، فإن زيداً مثلاً اسم لمجموع هذا الشخص المعين، واذا قيل: ضربت زيداً كان معناه إيقاع الضرب الى بعض جزء منه كالرأس او اليد مثلاً لا استيعاب تمام بدنه بالضرب.
وكذلك مسحت الجدار، وسكنت الديار، وجلست في المسجد والدار فإن كل ذلك حقيقة لا مجاز، بخلاف غسلت الثوب واكلت الخبز وما شاكل هذا الباب، فإن ظاهر الاسناد في نحوه الاستيعاب فالبعض وإن كان من حيث هو غير الكل من حيث  هو، الا ان ايلام الكل يصدق حقيقة بإيلام البعض لا محالة.
مضافاً الى ان الروح لا تركيب فيها، وان كل جزء من اجزاء البدن واسطة في ايلامها، فحينئذٍ يكون قوله «ص» ل «من آذاها فقد آذاني» بعد ان بيّن كونها بَضعة منه كالتفسير له…/ المصدر السابق ص 138. … قال الشاعر الاستاذ عبد القادر الجيلاني في مدح السيدة الزهراء «ع»: