بقلم بيار سمعان

عند اعلان فوزه في انتخابات الولاية قال مايك بيرد بشكل عفوي وصادق مليء بالفرح: «انا احب نيو ساوث ويلز».
ربما احس بيرد في تلك اللحظات كم يحبه سكان الولاية ايضاً ويثقون به، لذا ارادوا منحه 4 سنوات اخرى ليقود الولاية.
في 17 ابريل نيسان 2014 استلم مايك بيرد رئاسة الحكومة بعد ان ارغم باري اوفاريل على الاستقالة من الحكم بسبب «قنينة النبيذ» الشهيرة التي اطاحت به. وكان بيرد الذي اظهر تمايزاً كوزير للمالية في وزارة اوفاريل الاوفر حظاً لأن يصبح الخلف الصالح.
وراهن كثيرون ان بيرد سوف يفشل في رئاسة الحكومة نظراً للفضائح التي عصفت بحزب الاحرار وادت الى استقالة ثلاثة نواب ورئيس حكومة. لكن رئس الحكومة الجديد عمل على جبهتين متساويتين.
1 – على مستوى الحزب سعى بسرعة الى اصلاح اسباب الخلل وسوء استغلال المراكز ووضع اسساً واضحة وشروطاً جديدة لتقبل الهبات والمساعدات التي تمنح للحزب.
2 – على مستوى الحكومة، قاد الولاية وكأن ما حدث في الماضي لا يعنيه. فهو يدرك صلاحياته ومسؤولياته ولديه رؤية واضحة لمستقبل الولاية. وابدى خرقاً منذ بداية ولايته من خلال علاقاته الجادة مع الوزراء والنواب وموظفي الدولة.
وعلى سبيل المثال، لم يتردد بيرد باتخاذ موقف صارم حيال تعليقات مفوض الشؤون الاثنية فيك الهادف التي تسيء برأي العديد من المواطنين الى جوهر الموقع الذي يحتل والمنصب ذات الطابع الشمولي الذي يتخطى الانتماءات الضيقة. فاوحى للهادف  ان يستقيل، وهكذا فعل. ولم تثار اية تعليقات او ردود فعل . غير ان قرار بيرد ارضى الجاليات الاثنية بكاملها مهما تنوعت ميولهم السياسية.
السر الآخر لمحبة سكان الولاية يعود الى وضوح الرؤية والالتزام بالتخطيط لمستقبل الولاية. فالكل يدرك ان سدني تعتبر اليوم من اهم المدن الاسترالية وتتفوق على المدن الاخرى من ناحية اجتذاب العدد الكبير من المهاجرين الجدد والمستثمرين الاجانب وتعداد السكان. فالمدينة تتسع جغرافياً ويرتفع عدد سكانها يوماً بعد يوم.
لهذا تابع مايك بيرد الخطط التي وضعها مع فريق الحكومة السابقة بقيادة اوفاريل بعد ان ادخل تعديلات اضافية عليها تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي والنظرة المستقبلية لأهم مدينة اي سدني.
واثبت بيرد انه قليل الكلام، كثير العمل. وتميزت شخصيته السياسية بمواجهة القضايا مباشرة دون ان يفقد سلاسة التعامل مع الآراء الاخرى. وربما تعكس شخصيته المحببة والكاريزما التي تتمتع بها شخصيته السياسية المخفية والتي نكتشفها في اكثر من موقف وبرنامج عمل، مرحلة صعبة.
نجده حاضراً في كل القرارات والمناسبات،  الحلو والمر منها، ينظر الى سدني كمدينة المستقبل العصرية والتجارية والمصرفية الهامة، ويؤمن ان الانماء الاقتصادي للولاية ينتج بالدرجة الاولى من خلال تشجيع الاستثمارات وحركة الانماء والاعمار. وهذه تساعد على خلق وظائف وزيادة الدخل الفردي والعام ورفع المستوى المعيشي.
يدرك بيرد ايضاً اهمية البنى التحتية من طرقات وسكة حديد ومدارس ومستشفيات وسائر الشبكات والتمديدات. وسدني التي تتسع وتتمدّد يجب ان يرافقها تطوير في البنى التحتية الملائمة. لذا وضع بيرد مع حكومته تصوراتهم لمستقبل سدني والولاية.
كما يدرك مايك بيرد اهمية المناطق الغربية من سدني ، ليس فقط نتيجة لقرار الحكومة الفيدرالية بالتعاون مع الولاية، لإنشاء مطار جديد في بادجيري  كريك وما قد يمنتجه من نهضة في منطقة جرى اهمالها طوال عقود، انما بسبب التعداد السكاني المقيم فيها ، اذ يقدّر عدد سكان هذه المناطق بما يزيد على مليوني نسمة يرى فيهم مايك بيرد طاقة انتاجية ضخمة لم يجر الاستفادة من امكانياتهم وخبراتهم بالكامل.
ويبدو ان كل الدلائل تشير ان هذه المنطقة سوف تحظى برعاية خاصة من قبل حكومة الولاية سيكون لها انعكاسات ايجابية على نمط حياة السكان ونوع الاعمال التي يقومون بها والمستوى الحياتي الذي يعيشون. فالمناطق الغربية لديها طاقات لا تزال بعيدة عن الاستثمار الصحيح.
بالطبع يدرك بيرد ان الاستقرار الاقتصادي يؤثر على الميول السياسية. فالمناطق التي تعرف انها عمالية الميول قد تتحوّل هذه الميول لديها عندما تتغيّر ظروف الحياة والاولويات لديها.
السبب الآخر لمحبة الولاية لبيرد هو تمكنه، بعكس زميله في كوينزلاند من الحؤول دون ان يتحوّل ضحية للقرارات السياسية الصعبة ولانخفاض شعبية آبوت في مرحلة ما.
فبيرد الذي ينتمي الى نفس الحزب والمنطقة ويتشابه في كثير من الاوصاف والمزايا مع رئيس الوزراء طوني آبوت والذي يتعاون معه بحكم الموقع والانتماء، لم يسمح ان يحرق اصابع يديه او ان تتأثر شعبيته بسبب سياسة الحزب على المستوى الفيدرالي.
فهو لم يبتعد عن التزاماته الحزبية او يتجاهل اهداف وفلسفة الحزب، لكنه في المقابل حافظ على نوع من  الاستقلالية والتمايز. فلم يخسر دعم الحزب او يفقد ثقة الشعب في ولايته. انه زميل طوني آبوت وابناء المنطقة الواحدة تجمع بينهما محبة استراليا والرؤية المستقبلية في عالم سريع الحركة والتبدل، وهو يواجه خطر الارهاب  وقد اختبرته سدني خلال حصار المارتن بلايس.
اليوم يبدأ بيرد ولاية جديدة قد تكون مليئة بالمفاجآت. لكن رئيس الحكومة لا يرغب في اضاعة الوقت. لديه مشاريع كثيرة وطرح خلال حملته الانتخابية مجموعة من الوعود والتعهدات يتوقف تنفيذها على توفير المال من جراء بيع جزء من اعمدة واسلاك الكهرباء. فالخصخصة الجزئية هي امر حيوي للتمسك بالوعود وتنفيذها وسر نجاح بيرد في ولايته الجديدة.
للاسف الشديد، رغم التقدم في شعبية العمال فقد ارتكب الحزب خطأ كبيراً من خلال الميل الى السلبية وبناء شعبية قائمة على ارهاب النفوس. «ان خصخصة الكهرباء سوف يخلق ازمات جديدة للمواطنين» حسب طرحهم.. لقد تناسى فولي ان الخوف ليس عنصراً بناءً، وتناسى ان العالم بأسره يسير نحو الخصخصة لاسباب عديدة.
وفي حين كان بيرد واضحاً وصريحاً وحازماً، اكتفى العمال بالسياسة السبية غير البناءة. وفي حين تمكن بيرد من اكتساب تأييد الناخبين في الولاية رغم مدته القصيرة على رأس حكومته، لم يتمكن لوك فولي من كسب تأييد الناخبين له ولحزب العمال في الولاية، فهو ايضاً يعاني من ثغرات وفضائح عديدة.
يحق لبيرد ان يفرح ويعبر عن محبته لولاية نيو  ساوث ويلز، لأنها هي بدورها اكدت انها تحبه وجددت ولاية حكمه لاربع سنوات اخرى قد لا تكون الاخيرة. فالناخب الاسترالي ليس جاهلاً فهو يدرك اين تكمن المصلحة العامة في آخر المطاف…
pierre@eltelegraph.com