إلى الصديق العزيز مفتي أستراليا الدكتور إبراهيم أبو محمد دام حفظه :
»كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب«
طالعت في صحيفة »الشرق الاوسط« حديثاً لكم عن »ضرورة القوة لحماية الحق« وعن تأييدكم لحرب السعودية في اليمن وعن »أحلام اليقظة للمشروع الصفوي في استهداف المقدّسات الإسلامية« في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة.
بداية ، إتصلت بكم للتأكّد من صحّة ما نقل عنكم في هذه (الصحيفة) لأنني فوجئت من الكلام المنسوب إليكم ، حيث لا يتناسب مع الخطاب والجلسات العديدة التي عقدناها سويّاً بمشاركة مطران الموارنة انطوان طربيه ومطران الملكيين الكاثوليك روبير ربّاط ومطران الأرثوذكس بولس صليبا وغيرهم من الأحبة والأصدقاء.
بيد أنه لو فرضنا صحّة ما نقل عنكم فإنني – يا صديقي- ألفت نظركم إلى عدة أمور:
أولاً : أنتم تمثّلون المسلمين جميعا في أستراليا وتنطقون باسمهم جميعاً لا باسم المسلمين السنّة فقط إلا إذا ارتضيتم ذلك لأنفسكم وحبستموها في مذهبيتها الضيّقة أو أخرجتم المسلمين الشيعة من الإسلام كما هو الفكر الوهابي الذي لا يعترف بإسلام أحد ممن خالفه أو اختلف معه ، وعهدي بكم أنكم لستم من حملة هذا الفكر بل فكركم يترفّع عن ذلك ويرتقي في مدارج الأزهر علما وثقافة ووعيا وانفتاحا.
ثانياً : إن استخدامكم لمفردة » المشروع الصفوي « في سياق حديثكم عن إيران ووصفكم له بأنه مشروع شيطاني هو استخدام في غير محلّه ورمية لم يقصد بها وجه الله – يا سماحة المفتي – بل ربما تفوح منها رائحة غير » فروح وريحان وجنة نعيم «.
إن إيران الحالية – يا صديقي- ليست مشروعا صفويا بل هي دولة الإسلام التي تكون العزة فيها لله ولرسوله وللمؤمنين ، هي »الجمهورية الاسلامية الايرانية« التي أسّسها الإمام الخميني » رضوان الله عليه «   لينهي بذلك حكم كلّ الملكيّات الشاهنشاهية السابقة واستبدادها وغطرستها، في الوقت الذي أطلق فيه أمراء آل سعود اسمهم على دولة النبي محمد بن عبد الله » صلّى الله عليه وآله « في الجزيرة العربية وأسموها »المملكة العربية السعودية« فتأمّل يا صديقي مليّاً..!!
ثالثاً : لقد حوّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الخمينية – يا صديقي – سفارة إسرائيل التي كانت موجودة أيام حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلى سفارة  فلسطين وزارها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لتكون أول سفارة رسمية للفلسطينيين في العالم ، وبالتالي يمكن القول إن مشروعهم ليس مشروعا صفويا شيطانيا بل هو مشروع فلسطيني مبارك ، في الوقت الذي أتمنى أن تدلّني ? يا سماحة المفتي ? على مشاريع السعودية وقطر ومصر والأردن الرحمانية المتعلّقة بفلسطين المحتلّة..!!
رابعاً: إنك تتحدث – يا صديقي – عن ضرورة »عاصفة الحزم« السعودية ضدّ اليمن لأنها تنطلق من أنكم أيقنتم » تماماً بضرورة القوة لحماية الحق…«.
تخيّلت – يا سماحة المفتي – لبرهة أنكم تتحدّثون عن فلسطين المحتلّة من قبل إسرائيل لعشرات السنين، وأنكم تحثّون السعودية ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية والإسلامية للتوجّه فورا نحو فلسطين لتحرير المقدسات الإسلامية والمسيحية هناك من الإحتلال الاسرائيلي ، باعتبار أنها حقّ الفلسطينيين الضائع الذي فرّط به تآمر العرب ولهاث المفاوضات الفارغة وبالتالي لم يبق أمامهم غير القوة لتحريرها. هكذا ظننت وتوقّعت من قولكم » أيقنّا تماماً بضرورة القوة لحماية الحق…« ، أليس الإحتلال الإسرائيلي – يا سماحة المفتي – احتلالا يقينيا مفروغا منه، أما احتلال اليمن من قبل الإيرانيين فعلى الأقلّ يبقى في دائرة الشبهة والإحتمال إلا إذا كنتم تريدون تحرير فلسطين من اليمن !!..
خامساً: طالما كنّا في اجتماعاتنا – يا صديقي- مع السادة  المطارنة المسيحيين وبحضور وسائل الإعلام نحاول إدانة الحركات الإرهابية المتطرّفة كداعش وأخواتها، ونؤكد على ضرورة مكافحتها في أستراليا أو بعد عودة أفرادها من سوريا والعراق بقوانين تجرّمهم وتحاكمهم وتنزل بهم أشدّ العقوبات، وكنتم دوماً – يا سماحة المفتي – تعترضون على تلك القوانين بحجّة المحافظة على الحريات وقداستها ، وأنكم أتيتم  إلى أستراليا من أجل ذلك لا من أجل الطعام والشراب، وسؤالي لكم – يا صديقي – ألا يستحق الشعب اليمنيّ بأكثريته الساحقة أن يغيّر نظام حكمه ويتمتع بحريّاته تماماً كموقفكم ومباركتكم لخلع الرئيس المصري السابق حسني مبارك والثورة عليه، حيث كنتم ولا زلتم من أشدّ المدافعين عن الثورة المباركة ووصول الإسلاميين إلى الحكم..
سادساً: أعرف – يا صديقي – كما تعرفون جيداً ان حروب المنطقة هي أكبر منّا جميعاً في تحالفاتها وأهدافها ومصيرها، ولذلك أربأ بنفسي وبكم أن نكون جسراً لنقل هذه الخلافات والتشنّجات المذهبية والحروب الطائفية إلى بلدنا العزيز أستراليا ، الذي نريد أن نعيش فيه آمنين مستقرّين مسالمين تجمعنا المواطنة بما تعني من احترام ومشاركة وزمالة تختصر قيم الإجتماع الأسترالي .
خطر على بالي – وأنا أكتب هذا الردّ – حكمة للإمام علي(ع) يقول فيها :  »كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب«.
والله من وراء القصد
الشيخ يوسف نبها
امام مسجد الرحمان
ومدير مؤسسة المرجع الراحل
السيد محمد حسين فضل الله في استراليا.