بقلم موريس منصور
قيل أن الفلسفة أم العلوم ، بمعنى أن جميع العلوم قد نشأت من الفلسفة التقليدية ، وأن تيارات العصر الحالى هى تيارات العلوم الطبيعية التجريبية . فالفلسفة هى بحث عميق يغور فى باطن الفكرة حتى يصل الى النتيجة المطلوبة . ولعلنا ندرك أن هناك هوة واسعة بين الفلسفة والسفسطة ، فالأولى لها نتائجها الحيوية المفيدة عكس الثانية التى هى حديث وجدال ليس له معنى بل يؤدي في النهاية الى صعوبات ومشاكل لحياتنا البشرية . لقب الفيلسوف سقراط بمحاوراته بأنه « أبا الفلاسفة « ثم جاء بعده تلميذه أفلاطون بجمهوريته ثم أرسطو بنتائجه التي ما زالت حتى وقتنا هذا . إن حكمنا على الفلسفة بالدقة العلمية قد تؤدي بنا الى َمن هو الفيلسوف؟ فكلما أراد باحث أن يكون لبحثه كل الدقة التي يتطلبها ؛ فعليه أن يقف متأملا طويلا في الأركان الأساسية من التفكيرالعلمي .
لقد لفت نظري منذ أيام مضت بعض المقالات التى تنادي بمزيد من العمل الفني المبدع على كافة المستويات حتى تصل بدورها الى التقدم والإزدهار فى حياتنا المعاصرة . فالفنون جميعها : موسيقى ، غناء ، ورسم ….الخ هي أسمى درجات الرقي بالإحساس المرهف للإنسان ، هى أوتار الجهاز العصبي التى تكمن فى دائرة القلب النابض لكل فرد والتي بدورها تتلقى أوامره من العقل البشري فيترجمه الى تأمل وخيال وإبداع فى الرؤية ثم التفكير والبحث الى التذوق .
ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بنفسه : كيف أحس بل كيف أتذوق معنى الفن إن لم يكن لي معنى للتذوق الحسّي طريقا ؟ وهل عودتنا الأيام فى الصغر أن نتذوق معاني الفنون ؟ بل هل كان لدينا نصيب فى تدريب أفكارنا وحياتنا على الخيال والخلق والإبداع حتى نكون في يوم من الأيام فلاسفة عصرنا ؟ إن جالياتنا تفتقر الى التذوق الحسّي والمعرفة الفنية ، بل هي فى أشد الحاجة الى الرقي بهذا العمل على جميع المستويات الفنية والثقافية واللأدبية …الخ ، وفي اعتقادي أن هناك أعمال معاصرة متعددة بين آن وآخرتشهد للعقل الإنساني المفكر بأنها نتاج عمل خلآق يجعل الأنسان البشري بأن يتحول من قوقعة الفكر التقليدي الى الإنفتاح الزمني نحو الحب والسلام والجمال . فهناك على سبيل المثال معرض «ثريشهولد» ، ومعناه «نقطة التحول» للفنانة التشكيلية المعاصرة مارسيل منصور يكشف لنا عن الفن الذي قد يكون مؤشرا قويا في تغيير الإنسان البشري من جبروته وعجرفته ، ومحولا ينبعث من القلوب ليشع النور الإلهى الذي وهبه الله للإنسان . إن معرض ثريشهولد حديث فى إبداعه وعرضه بل في معناه . فنانة ترسم بالنور بألوان متغيرة راقصة فى صناديق خشبية غير مدهونة ، ومنها ما يحتوي على بعض المواد ذات المغزى المفيد مثل تراب أرض الوطن و زيت الزيتون والحصلبان والملح والرخام والشاس والذهب الخالص معيار 24 قيراط ، كلها توُدي الى أشكال رائعة تنقل الزائر بإحساسه وفكره وروحه معاً ، وتشعره ببصمات الهوية والطبيعة الخلابة ، سارحا فى إحساسه المرهف واسترخائه الذهني وفي نفسه والعالم من حوله .
إن فكرة هذا المعرض تهدف إلى دعوة الناس ? على المستوى الفردي والجماعي من أشخاص وقادة وسياسيين – هي دعوة الإنسان إلى تبديل حياته الى حياة الصفاء والمحبة والسلام والبعد عن الحياة المادية التي يحكمها الشيطان الى حياة الروح والصفاء . فإذا استطاع الإنسان أن يغير من نفسه كان من السهل عليه أن يغير الآخرين ، وقد يستطيع بالتالي أن يُوثر فى تغيير النظم السياسية التي تسعى الى الماديات وتبتعد عن الروحانيات . لقد لاقى هذا المعرض تشجيعا من جامعة سيدني للفنون ، وعليه قد حصلت الفنانة مارسيل منصور على درجتّي ماجستير في الفنون الرفيعة و الذي حظي بعرضه في نيو يورك بأمريكا العام الماضي .
لقد استطاعت الفنانة التشكيلية مارسيل منصور أن تصل الى عمق فلسفة حياتنا وهي المحبة والسلام . ان عصرنا هذا يحتاج الى غربلة أفكارنا وتغيير مناهج حياتنا كما أن مناهج البحث في الجامعات تتغير من زمن الى زمن . فإذا استطاع الإنسان أن يغير من نفسه فقد يستطيع أن يطور من حياته ومن المجتمع والعالم الى الأفضل .
لقد أبدعت الفنانة مارسيل منصورعند إلقائها قصيدتها باللغة الإنجليزية بعنوان « الحوار الروحي مع النور» والعربية بعنوان :» تعالوا نتحول ونحول» ، وكذلك عند شرحها عن الوحدات الفنية للمعرض في «حديث الفنان «. إن الفنانة مارسيل منصور ، فنانة متعددة المواهب بكل ما تحمله الكلمة من معنى : رسامه ، مصممة ، شاعرة ، صحافية ، وناشرة ، كاتبة وناقدة إذا أرادت… بل فيلسوفة إذا أبحرت فى فكرها و خيالها وتأملاتها ، بل هي خلاقة فى إحساسها.
المعرض لا يزال مستمراً حتى نهاية هذا الشهر في متحف ماري ماكيلوب نورث سيدني كل يوم من العاشرة صباحاً حتى الرابعة على العنوان التالى :
7 Mount Street, Mary MacKillop Place, North Sydney
http://www.marymackillopplace.org.au/whatson/fx-articles.cfm?loadref=106&id=156