> عباس صالح: يحكى أن «ابو محمد الجولاني قائد «جبهة النصرة» في سوريا، وهو الفرع المعلن لتنظيم القاعدة في سوريا، يدرس مع قادة التنظيم ومسؤوليه الميدانيين، إعلان طلاقهم مع التنظيم الأم بقيادة أيمن الظواهري، والاتجاه نحو تكوين كيان تنظيمي جديد، يحاولون من خلاله الاندماج ضمن أطر منظومات سياسية وعسكرية جديدة تعمل على إطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا الاعلان بذاته يستحقّ التوقّف عنده لاعتبارات عديدة ليس أقلها ان تبديل اسم «النصرة» ووجهها الى كينونة أخرى بمسمّيات مختلفة قد ينزع عنها وجه الإرهاب الأسود، ويحوّلها من تنظيم منبوذ ومرذول عالمياً إلى قوة مدعومة ومغطاة دوليًّا مهيأة لمواجهة تنظيم «داعش»، على الارض السورية.
ويبدو أن ما يُحكى في هذا الإطار عن «جبهة النصرة»، خرج من إطار التكهنات والتحليلات ودخل في التنفيذ الفعلي حيث ثمّة أنباء عن أن عناصرها انقلبوا على جماعات صغيرة غير جهادية، وسيطروا على مناطق نفوذهم وأرغموهم على التخلّي عن السلاح في محاولة لتدعيم نفوذ الجبهة في شمال سوريا، تمهيداً للكيان الجديد.
الى أين سيؤدي «إلباس النصرة» ثوباً جديداً ودعمها بالسلاح والعتاد، وربما تحظى بالتدريب الاميركي في سياق إعداد مقاتلي المعارضة المعتدلة؟ هل سيقود إلى تعقيد إضافي في مشهد الحرب السورية؟ أم سيقتصر على الإفادة منهم في الاستراتيجية الغربية القائمة على تجنيد الجميع في محاربة تنظيم «داعش»؟ سؤال وجّهته «النهار» الى الخبير الاستراتيجي العراقي، المتخصّص في الشؤون العربية والاسلامية، الدكتور أيمن خالد، والخبير المصري في شؤون الجماعات الاسلامية والجهادية المسلحة الدكتور ماهر فرغلي.
خالد: تنافر قديم بين فكرتَي عروبة التنظيم وأفغنته
خالد أعاد توصيف الأزمة الى منشأها الأساس، فهو يرى انه لا بد من الحديث ان «ثمة تعقيدات بنيوية كبيرة ومتشعبة واجهت تنظيم «القاعدة» بداية عندما انتقل بمكونه الاساسي الى العراق أولاً، وأبرزها متعلّق بالفكرة المكرسة عنه كتنظيم ولدت فكرته بالأساس أفغانية، وبقيت هذه الفكرة ملازمة لهذا التنظيم في البناء المجتمعي والفكري عند الشعوب والنخب العربية، التي اعتبرت «القاعدة» مولوداً من رحم أفغاني أساساً، حتى ولو كانت بعض قياداته عربية، وبقيت تتعاطى معه على هذا الاساس، وبالتالي جاءت عملية نقل هذه التجربة الى الدول العربية، ليضخّ بها روحاً مختلفة الى حد كبير، ومتناقضة أحياناً، تبعاً لاختلاف العادات والافكار والبناء المجتمعي الجديد الذي أدخلت عليه في حينه مع دخول ابو مصعب الزرقاوي الى العراق.
من هنا، يضيف خالد، «رأينا أن الزرقاوي كان أول من اختلف مع أسامة بن لادن، وان الخلاف كان يومها حول طريقة المواجهة، وطريقة التعامل مع الارضية، والتعاطي مع شرائح المجتمع العراقي بصورة عامة، وكان الزرقاوي في حينه أمام هذا النوع من التحديات، المتمثلة في التعاطي مع الحالة العراقية بشكل مختلف تماماً عن الحالة الافغانية. وهذا بالضبط ما ينسحب الآن على جبهة النصرة في سوريا، باعتبار ان معطيات خارجية كبيرة فُرِضت فرضاً على المجتمع السوري، علماً أن كل المؤشرات كانت تدلّ بشكل قاطع على ان جبهة النصرة تحديداً كانت تضمّ نسباً كبيرة جداً من السوريين بين صفوفها، وهذا ما رفدها بداية بتعاطف غير مسبوق على المستويين السوري والعربي، كونها حاكت مشاعر جزء كبير من العرب والسوريين، ولاقت لديهم قبولا وتأييداً بدا واضحاً في أكثر من موقع على الارض».
ويخلص خالد الى القول: «على هذه الأسس أيضاً حصل الخلاف بين النصرة وبين التنظيم الأم، بعدما كان حصل الخلاف نفسه بين فرعي تنظيم القاعدة في سوريا وفي العراق لاعتبارات مماثلة، وهو خلاف جعل أيمن الظواهري يتدخّل مباشرة للفصل بينهما في حينه من خلال تأكيده على ان التنظيم في العراق مختلف تماماً ومستقل عن التنظيم في سوريا». سألنا خالد عن قراءته في الأسباب الحقيقية التي جعلت «النصرة» تعتزم الطلاق مع التنظيم الأم والمؤثّرات التي أدّت الى ذلك، فقال: «ان هذا الانشقاق سيكون نتيجة طبيعية لعدم نجاح التنظيم بفرض سيطرته الحقيقية على الأرض وإطالة أمد الصراع، علماً انّ ذلك كان على حسابه، وليس على حساب الآخرين، لأنه بنتيجة تلك الإطالة في عمر الصراع تشظّى التنظيم باعتبار ان عملية البناء أساساً، لم تكن يوماً قائمة على المدى البعيد جداً، والخطأ في البناء الذي تمثل في أنه كان هناك تعويل على جانب القوة وحدها، فيما النجاح الحقيقي يفترض ان يعتمد على مسايرة البناء التاريخي للمجتمع السوري وهويته الاصلية، وبالتالي فإن التنظيم قام بدور المانع، ووضع اليد بالقوة، وهذا يعني ان أيّ تراجع للقوة سيعيد حكماً الحالة الطبيعية لأهل البلد».
فرغلي: انشقاقات كثيرة في الفترة المقبلة
أما فرغلي فقال «ان السبب الأول هو ان جبهة النصرة في سوريا تحوي أطيافاً متعدّدة جداً، وهذه الأطياف من مدارس جهادية مختلفة، منها المدارس التي هي في الأساس ضد تنظيم القاعدة، والسبب الثاني هو ان هناك معلومات تتحدث عن حوارات قطرية مع جبهة النصرة تؤكّد على أن الانشقاق حدث، وعن الطلب من النصرة الانفصال عن القاعدة والانضمام الى مجموعات أقل تشدّداً لكي يشكّلوا جبهة تحارب داعش في مقابل دعم مادي ولوجستي ضخم جداً».
وقال فرغلي ان «ابو محمد الجولاني وافق على هذا العرض، وأعتقد ان هذا هو السبب الرئيسي للانفصال».
سألناه، الى أين تتّجه الامور وما هي النتيجة التي سترسو عليها الصورة كما تراها؟ فقال: «الامور ذاهبة في اتجاه التحالف مع القوى الاقل تشدداً لمواجهة داعش، والانشطار بشكل أكبر داخلياً، أي انه سيحدث انقسام بشكل أكبر عبر الموالين للقاعدة، وسيكون قائد هذا التحرك هو ابو ماريا القحطاني مفتي النصرة، لأنه من الموالين للظواهري بشكل كبير والانشطارات كثيرة جداً في التيارات الجهادية حول الاستراتيجيات او الخلافات الايديولوجية والبناء العقائدي، والجبهة الشامية بكل فصائلها تجسد الاثنين معاً، الخلافات الاستراتيجية والايديولوجية، وهذا ما يرجّح حدوث انشقاقات كثيرة في الفترة المقبلة».