بيار سمعان تحقيق
لا شك ان مسألة لاجئي القوارب هي المعضلة الاساسية التي تواجه الحكومة الاسترالية وكلا الحزبين الرئيسيين في استراليا، كما انها تربك كل المؤسسات المعنية، بسبب العقد العديدة المترابطة في قضية «مهربي البشر».
فاستراليا قد وافقت على توصيات الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين، ووافقت ضمناً على ايوائهم وتأمين سبل العيش الكريم لهم، لكن المعضلة اليوم ، تكمن في ان عملية تهريب البشر اصبحت مهنة تجارية منظمة ومربحة لمن يعدون سراً لنقل اكبر عدد من اللاجئين اليها (استراليا). ولقد تبين من المحاكمات التي اجريت على من القي القبض عليهم ان معدل الربح الذي يجنيه هؤلاء يصل احياناً الى مليون دولار للقارب الواحد واحياناً اكثر من ذلك، حسب حجم القارب وعدد الركاب.
< العامل الآخر الذي يقلق الحكومة ومركز المخابرات الاسترالية (ASIO) هو ان استراليا تستقبل وفوداً من اللاجئين لا دور لها باختيارهم، وقد يشمل هؤلاء مجموعات اصولية او ارهابية او مطلوبين للعدالة في بلدان اخرى. وهي نظراً للتعقيدات اللوجستية وعدم التوصل الى تفاهم كامل مع اندونيسيا حول اعادة من لا ترغب (استراليا) باستقبالهم، يرى بعض المسؤولين ان استمرار تدفق اللاجئين غير الشرعيين على هذا الشكل، قد يشكل مستقبلاً خطراً على امن واستقرار البلاد، واثراً على منهجية اختيار المهاجرين.
ومنذ شهر تقريباًَ وخلال اجتماع خاص لمعالجة لاجئي القوارب اعلن وزير الخارجية السيناتور بوب كار عن تخوفه ان تشمل «كوتا» اللاجئين هذا العام فقط القادمين الى استراليا بواسطة القوارب. اذ يقدر ان يصل عدد هؤلاء الى 180 الف، فقط من لاجئي القوارب. ونظراً الى الحاجات الملحة بسبب احداث مؤسفة في بلدان مضطربة والضغوطات الدولية، ارغمت استراليا على زيادة عدد المهاجرين، بمن فيهم طالبي اللجوء. فالازمة السورية مثلاً، دفعت وزير الهجرة الى زيارة لبنان للاطلاع على اوضاع اللاجئين السوريين وتحديد نوع وحجم المساعدات التي يمكن لاستراليا ان توفرها لهم، بما في ذلك قبول عدد من طالبي اللجوء.
فخلال اجتماع للحكومة الفيدرالية شهر ايار الماضي جرى اقرار رفع عدد طلبات الهجرة واللجوء من 185 الف الى 190 الف، لعام 2012/2013 على ان تشمل هذه المجموعة العمال المهرة وطالبي اللجوء معاً. لكن ارتفاع عدد لاجئي القوارب، سوف تكون له انعاكاساته السلبية على عدد العمال المهرة واصحاب التخصص، في حال استمر تدفقهم الى الداخل الاسترالي، دون ايجاد حل جذري لهذه المعضلة، اذ يرى الخبراء ان توزيع الملصقات والمناشير في اندونيسيا حسب توصيات جوليا غيلارد لن يردع طالبي اللجوء من التسلل الى المياه الاقليمية الاسترالية.
نبذة تاريخية:
ظهر للمرة الاولى مصطلح «لاجئو القوارب» في منتصف السبعينات من القرن الماضي. عند وصول مجموعات من القوارب حاملة جماعات من طالبي اللجوء، قدموا من فيتنام بالتحديد ، بعد ان غادر الألاف منهم بلدهم، باتجاه فرنسا وانكلترا وكندا والولايات المتحدة الاميركية في اضخم عملية نقل حوالي نصف سكان فيتنام الى البلدان المذكورة، الى جانب بعض بلدان جنوب شرق آسيا… وهكذا بدأت مرحلة جديدة من اللجوء بسبب العوز والتبدلات السياسية في بلد ساهمت فيها القوات الاسترالية في القتال الى جانب حلفاء اميركا. لكن انتصار الفيات كونغ ادى الى نزوح الآلاف من مؤيدي اميركا وحلفائها.
سنة 1976 وصل الى داروين قارب على متنه خمسة رجال من طالبي اللجوء. لكن بعد حوالي خمس سنوات بلغ عدد اللاجئين الفيتناميين ما يزيد على 2060 شخصاً بما فيهم النساء والاطفال. وتوقفت اعمال النزوح سنة 1981 لكي تستعيد نشاطها عام 1989 وهذا التاريخ يعتبر بداية الدفعة الثانية من طالبي اللجوء، واستمرت بدفق القوارب لمدة تسع سنوات، بمعدل 300 لاجئ في السنة الواحدة معظمهم من كمبوديا، فيتنام والصين .
لكن مع حلول سنة 1999 بدأت موجة جديدة من «لاجئي القوارب» معظمهم من منطقة الشرق الاوسط، ولكن نسبة طالبي اللجوء، في كل قارب كانت تفوق بكثير النسب التي امت البلاد من فيتنام وغيرها، واتخذت عمليات اللجوء طابعاً جديداً، بعد ظهور طبقة من الناس كانت تقوم باعداد القوارب وتنظيم الرحلات مقابل اموال يتقاضونها عن كل طالب لجوء، مع ضمان ايصالهم الى المياه الاقليمية الاسترالية وتزويدهم بكافة المعلومات لمرحلة ما بعد الوصول.
< الظروف السياسية والاوضاع العالمية
ان حجم وتعقيدات مسألة «لاجئي القوارب» وما نتج عنها من تعقيدات ولدت تحديات جديدة للبلدان المستقبلة، على المستوى العالمي، ومن ضمنهم استراليا، خاصة بعد ان اقرت جمعية الأمم المتحدة توصيات جديدة حول مسألة اللاجئين واقامة مؤسسة خاصة في مجلس الامن لرعاية شؤون اللاجئين على المستوى العالمي. ففي سنة 1951 (ثلاث سنوات بعد النكبة في فلسطين) جرى انشاء منظمة اغاثة اللاجئين بعد ان تشرّد حوالي مليون ونصف رجل وطفل وامرأة على المستوى العالمي لكن سنة 1980 قدرت المنظمات الانسانية عدد اللاجئين في العالم حوالي مليون ونصف انسان، هذا العدد التقديري لا يشمل المهجرين واللاجئين داخل بلدانهم، بفضل الحروب والكوارث الطبيعية اذ تصنف منظمة اغاثة اللاجئين من يُرغمون على مغادرة بلدهم بسبب الحروب والاضطهاد او من ينزحون من منطقة الى اخرى داخل اوطانهم بسبب الكوارث او الاضطرابات على انهم لاجئون.
ففي سنة 2008 قدّرت المنظمات العالمية ان عدد اللاجئين والمهجرين في العالم بلغ 31 مليون ونصف مليون انسان. لكن بعد سنة واحدة (2009) ارتفع هذا العدد الى 44 مليون لاجئ في العالم. وتعمل الدول الكبرى والمتطورة على استيعاب هذا الخلل الاجتماعي عن طريق قبول طلبات اللاجئين الذين يسدّون في آخر المطاف احتياجات البلدان المستقبلة لليد العاملة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات العامة.
ان لب مشكلة لاجئي القوارب تكمن في النقاط التالية:
< الالتزام المعنوي بإيواء وقبول ورعاية جميع طالبي اللجوء وتأمين الحياة الكريمة لهم عملاً بتوصيات الأمم المتحدة.
< مواجهة السلطات الاسترالية معضلة تحديد هوية بعض القادمين في القوارب، خاصة ان بعضهم يقدم على اتلاف الوثائق الثبوتية بحجة سوء الاوضاع في البلد المصدر او ضياع هذه الاوراق بسبب التهجير او الغرق.. وان اعادة البحث عن اصول وسجلات هؤلاء هي عملية مضنية للاجهزة المخابراتية ومكلفة للدولة.
< عدم تمكن السلطات الاسترالية من تحديد من يقبل او يرفض ضمن هذه المجموعات، بسبب العنصر الانساني المأساوي.
< الحضر من دخول عناصر ارهابية او اصولية غير مرحب بها في الظروف العادية بسبب ميولها المتطرفة التي قد تشكل خطراً او ضرراً على التركيبة التعددية في المجتمع الاسترالي.
< ان تدفق لاجئي القوارب قد يضرب، في حال ارتفاعه واستمراريته «الكوتا» التي توضع لعدد ونوع ومصدر المهاجرين الى استراليا. وهذا يعني بشكل آخر، ضرب السياسة المهجرية التي تعتمدها الحكومة الاسترالية، نظراً الى حاجات البلاد العملية والتوزيع الديموغرفي.
< تحمّل اعباء اضافية مالية وخدماتية، لأنه يبدو ان العديد من اللاجئين يستفيدون من هذه المساعدات (معاشات، مسكن، رعاية صحية واولوية في الخدمات ) ويفضلون البقاء في هذه الحالة الاتكالية، مما يكلف المليارات من الدولارات يتحمل نتائجها المواطن العادي من دافعي الضريبة.
في الختام لا بد من الاشارة الى ان استمرار تدفق لاجئي القوارب سوف ينتج حتماً واقعاً سياسياً اجتماعياً قد تكون له انعكاسات على الاوضاع الداخلية والعلاقات مع اندونيسيا مستقبلاً.. شواطئ استراليا شاسعة.. ولكن لنتصور ان الصين مثلاً قررت ارسال آلاف القوارب من طالبي اللجوء، تحمل المئات على متنها ..
فلنتصور هذا السيناريو، لكي لا يظنّ احدٌ انه هو المقصود وان معالجتنا لقضية اللاجئين هي معالجة مذهبية متطرفة.
الدخول الى استراليا يبدأ من مطاراتها وليس من شواطئها الشاسعة.