أنطون سابيلا- سدني
حققت بعض الدول الكبرى منذ أواخر السبعينات ما لم تحلم به إمبراطوريات سابقة في زرع الحقد الديني والطائفي والمذهبي بين شعوب الشرق الأوسط. واللافت أن هذا الإنجاز وَجد من يصفق ويهتف له ويرحب به، وهم غالباً شعوب الشرق الأوسط أنفسهم!
كانت أوروبا مسرحاً لاقتتال ونزاعات طائفية ومذهبية في وقت انعدم فيه تقريباً الإبداع العلمي وكان عامة الشعب يصفقون ويرقصون عند هدم كنيسة الخصم أو عندم يتمً قتل أبرياء من طوائف معارضة.
ثم اكتشف المفكرون الأوروبيون أن ما يحدث هو كارثة إنسانية ووطنية وقومية وأن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى التخلف العلمي والفكري والاقتصادي إلى ما لا نهاية.
ومن هنا بدأ عصر النهضة بعد أن نجح المفكرون في زرع مفهوم العلمانية التي لا تفرق بين دين وآخر أو بين مذهب أو أخر بل تُكافئ الإنسان حسب ما ينتجه للمجتمع.
في الشرق الأوسط هذا المفهوم غير موجود إطلاقا، لكن هناك اضطهاد وتمييز وانتهاك لحقوق الأقليات الدينية والقومية!
بدأ انهيار مبدأ التسامح الديني في الشرق الأوسط عندما نجحت فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل في قلب نظام الحكم في ايران واستقدام رجال الدين لحكمها. ومع استيلاء رجال الدين على الحكم في ايران تمّ نشر ما يُسمى بالصحوة الدينية وانتقلت الغيرة من ايران إلى الدول العربية وهكذا انبثقت الحركات الأصولية من إرهابية وغير إرهابية واندلعت الحرب الإيرانية-العراقية فأنتصر العراق العلماني أولاً.
لكن هذا الانتصار لم يدم طويلاً لأن الثلاثي غير المقدس (أمريكا فرنسا وإسرائيل) أرادوا منذ البداية انتصار تيار الصحوة الدينية لتحقيق أهدافهم والسيطرة مجدداً على المنطقة عير حلفائهم وعملائهم. فلجأوا إلى الحيل والخداع وصدرت الأوامر إلى السفيرة الأمريكية في بغداد لكي تطمئن الرئيس الراحل صدام حسين بأن أي هجوم على الكويت لن تنظر إليه واشنطن على أنه خطير على مصالحها، وهكذا تمّ غزو الكويت ثم تحريرها على راس حربة أمريكية ثم أكذوبة أسلحة الدمار الشامل الأمريكية ثم تدمير العراق وتحويله إلى مستعمرة أمريكية-إسرائيلية.
ومن العراق استمر مسلسل “الصحوة الدينية” للثلاثي “غير المقدس” فعملت واشنطن وتل أبيب وباريس أيضاً على خطة لتدمير وتقسيم سورية إلى دويلات سنية-علوية لكن هذه المرة كانت روسية لهم بالمرصاد لأنها استوعبت لماذا واشنطن وباريس وتل أبيب متحمسون جداً للصحوة الدينية في الشرق الأوسط.
وأدرك مؤخراً الرئيس التركي أردوغان أن حلفائه الأمريكيين والإسرائيليين يريدونها “صحوة دينية” أقوى في تركيا دعما للأصوليين في بلاده والدول العربية المجاورة وعلى وجه الخصوص في سورية. فأمر بتحويل كنيسة آيا صوفيا و متحف “كاريه” في إسطنبول، الذي كان كنيسة أرثوذوكسية يونانية سابقة إلى مسجد.
ولن ننسى في هذه العجالة حرمان المسلمين والمسيحيين في منطقة الحسكة السورية من المياه . فمنذ أكثر من أسبوعين يعيش أهل مدينة الحسكة في سوريا “ابتزازا” تركياً عبر الماء، بعد أن عمدت القوات التركية إلى إيقاف عمل مضخة مياه الشرب في محطة علوك، في ريف الحسكة، دون معرفة الأسباب. وإذا أراد العرب حليفاً مثل هذا الحليف فمبروك عليهم الهزائم في المستقبل!
ومن نافلة القول أن صديق أسترالي علّق على تحويل الكنائس في تركيا إلى مساجد بالقول: يبدو أن الأتراك ما زالوا يعانون نفسيا من انهيار الإمبراطورية العثمانية وهم الآن يصبون جام غضبهم على الكنائس لكن ما لا يدركه اردوغان أن زمن الفتوحات قد ولى إلى غير رجعة وأن كل ما يفعله هو فقط خدمة للمشروع الثلاثي غير المقدس!
ولن نتحدث عن اليمن وليبيا والانقسام الطائفي والمذهبي والقتل على الهوية، ولا عن لبنان الذي أعلنت الدول الغربية وروسية علناً وسراً أنه لو بقي مسيحي واحد في لبنان فهو الذي سيكون رئيساً للجمهورية!!أي لبنان خط أحمر مطلقاً.
وكل هذه الكوارث والمصائب سببها الانسياق وراء الغرائز وعدم تحكيم العقل وعدم تغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى.
Recent Comments