أنطوان القزي
ليس جديداً على بلدتي (الجية) أن تجمع في زمن القسمة والفرز والخلافات، وليس غريباً أن تستضيف محطة الكورال للمحروقات فيها صلاة الجمعة للواقفين في طوابير “البنزين” في مشهد كنا نتمناه في غير هذه الظروف وفي غير هذا المكان.
بلدتي التي تعوّدت على المشاهد الإستثنائية سلباً وإيجاباً، امتهنت سياسة الجمع واللقاء رغم “تهجيرات” أبنائها الكثيرة داخل الوطن و”هجراتهم” خارجه.
ورغم مأساوية الحالة الراهنة ورغم الوجوه الكالحة والحزينة والناقمة، فرحنا نحن أبناء الجية تحت كل سماء ونحن نرى الشيخ السنّي
“علي الحسين” يؤم المصلّين بحضور شيخ شيعي “جهاد حيدر” ومشاركة صاحب المحطة الدرزي فادي أبو شقرا … ولا أخفيكم أن هذه “الجمعة” بفتح الجيم، كانت أثلجت قلوبنا لو لم تكن بنزين وفي أجواء مشجونة يتخللها تلاسن وشتائم.
ليس جديداً عليها، فالجية كانت تجمعهم من زمان ، فهي صاحبة سابقة مشرقة في تاريخ المجتمع اللبناني، حين كانت تقيم في مطلع السبعينات حواجز تبّولة ينخرط فيها أبناء البلدة بشيبها وشبابها ، وكانت طوابير المنتظرين تمتد الى عدة كيلومترات ، ومَن يرفض صحن تبّولة من الجية”؟!.
الواقفون في الطوابير يومها كانت تعتلي وجوهم البسمة وليس علامات الغضب، وكم كان ينزعج منّا درّاجو الأمن الداخلي المولجون بتنظيم السير.
سقى الله تلك الايام ، ولعَن من أوصلنا الى ما نحن عليه من تعاسة وبؤس.
الجية جمعتهم، هم الذين اختلفوا في حولا وميس الجبل وتضاربوا في النبطية وكفرمان وحطّموا وكسّروا في طرابلس والبداوي وتخاصموا في زحلة وحزرتا واشتبكوا في مغدوشة وعنقون وتعاركوا في بيروت واستنجدوا بدوريات الأمن لمرافقة الصهاريج في عكار.. والتقوا على الصلاة في الجية، وربّ ضارّة نافعة.
وبين طوابير التبولة وطوابير البنزين خمسون عاماً.. وبيننا وبين ضيعتنا 15 ألف كلم، ولكننا ما زلنا “نجبل” صحن التبولة كل يوم ونشرب نخبها كل يوم ؟!.
لأننا من أنصار “أبو تمّام”:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحبُّ إلا للحبيب الأوّلِ
كم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى
وحنينُــه أبــداً لأوّلِ منــــزلِ
فهل ما زلتم توافقون أبا تمّام على رأيه؟!.
Recent Comments