وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»
لا شك ان العراق بواقعه المدني الحديث كان يتوافر على مدن مهمة جدا كبغداد العاصمة والبصرة جنوبا والموصل شمالا، هذه الالوية التي شكلت العصب الرئيس للدولة العراقية الوليدة ، ولم يكن اختيارها اعتباطيا ابدا فلكل مدينة قصة وتاريخ في تكوين البيت العراقي منذ تاريخ بعيد جدا ، الموصل « الحدباء « لي معها قصة شخصية جدا ، فعندما انهيت دراستي الجامعية من جامعة البصرة عام 1982- 1983 ، ذهبنا للحرب طوعا وكراهية ، وكانت قسمتي ان اسوّق « حسب المصطلح العسكري « الى كلية الضباط الاحتياط في بغداد لغرض اعدادنا وقودا للمعارك برتبة ملازم ثان ، ولكني كنت غير مؤهل أمنيا للحصول على رتبة ضابط بوصفي من « عوائل الخونة « لان اخي الكبير صبري شامخ قد أعدم لانتمائه للحزب الشيوعي ومقارعته نظام صدام آنذاك .
ارسلوني الى مدرسة ضباط الصف المدفعية في قضاء المحاويل ? الحلة ، وصار حظي ان اذهب الى جبهات القتال في كتائب المدفعية ، من بعيدة المدى الى بطرية الهاونات ، سنوات في الحرب عشتها مع شباب العراق من جنوبه الى شماله ، منهم من قضى نحبه ومنهم من واصل الحياة على عكازة وكرسي ، ومنهم من انتصب للنهاية بخسارات روحية ونفسية وجسدية ، وانا واحد منهم .
………
في ضحى احد ايام الجبهة جاءني كاتب القلم « محمد ذنون « من أهل الموصل ومن سكنة بغداد ويحب اهل البصرة ، ليخبرني ببشارة عظمى ، وهي وجود امر من القيادة بضرورة التحاق الخريجين بدورة « اعادة المعلومات» ، وقوامها 45 يوماً ، وقد صدر الامر الاداري بارسالي الى جامعة الموصل .
يا الهي اية هبة سماوية حلت علي ونحن نتمنى كجنود الحصول على يوم او يومين اضافيين على اجازتنا الدورية ، التي تطول احيانا لتبلغ الشهرين وخصوصا في ايام المعارك وما اكثرها .
حملت كتاب الايفاد على روحي ولاول مرة اغادر البصرة بزي مدني انيق واركب « المنشأة « على مزاجي وفي توقيتي ، دون الحاجة الى اللهاث لحجز مقعد مخافة التأخر على « الاجازة « .
……..
اعددت حقيبتي المدنية تماما ، لا اثر فيها لايّ عسكرة ، واول مرة لم اخش الانضباطية ، وانطقت من البصرة الى الموصل ، وصلت مساء مع بعض زملائي الخريجيين لنكتشف الموصل ولاول مرة في حياتنا، حجزنا فندقا متواضعا في المدينة ، وكان اشبه بالقصر لما كنا عليه في ملاجئ الجبهات ، واصبحنا في المجموعة الثقافية ، نفطر لحم بعجين وبيض ، بتنور موصلي ساخن ، وكم كانت دهشتنا ونحن ندخل حرم جامعة الموصل ، كلية الادارة والاقتصاد لنلتقي بزملاء الدراسة ، ونبل الاساتذة في المو صل ، سيما الاستاذ « ماجد « المشرف على الدورة ، كان الدرس الاول هو تفوق جامعة الموصل على امتلاكها قدرة معلوماتية وتقنية عالية لم تتواف عليها جامعات العراق ، وبعدها سحرتني الموصل في مطاعهما النظيفة والمتنوعة ، في غاباتها ، في سحر طبيعتها ، في طيبة اهلها ، وفي حضاريتهم في التعامل مع الضيف .
انتهت ايام « دورة اعادة المعلومات « وودعنا الموصل بحسرة كبيرة ، لاننا سنذهب للجحيم ثانية ،
التحقنا بوحداتنا وكان الواقع اليما جدا ، لقد خسرنا كثيرا من الاحية والاصدقاء جنودا ومراتب وضباطا وضباطا ، في معارك لم نكن فيها .
ايتها الموصل الحبيبة
تسكعت في درابينك القديمة ، وابوابك وفنادقك واسواقك ومطاعمك ، واشترينا جميل حلواك من المن والسلوى ، وعصا القاضي ، ومن كرزاتك ما طاب ولذ، ومن قماشك كل قوس قزح ، ومن لهجتك محبة لاهل الجنوب ،
ورقصنا ليلتها
كم يردلي يردلي سمرة قتلتيني
خافي من رب السما وحدي لا تخليني
…………..
حماك الله يا موصل ، ولا أوحش لك ليل ، لست وحدك ايتها الشقراء العراقية
فنحن معك ، والله معك
شكرا لك وانت تمنحيني حياة لاكون شاهدا عليك ولك في ايام المحنة ، محنة مدينة استباحها الاهل قبل الغرباء
يا موصل
وانت ِ َتصلين القلوب ، تذكري جدا ان « الدواعش « محض خرافة انتجها الاهل والغرباء والغرماء معا
سلاما لروحك العراقية ومزاجك العراقي
سلاما لك وعليك وانت تمنحيني فرصة للحياة لاكون شاهدا لك وعليك
Recent Comments